من هو المثقف الثوري؟
- روبير بشعلاني الأثنين , 16 نـوفـمـبـر , 2020 الساعة 6:41:16 PM
- 0 تعليقات
روبير بشعلاني / لا ميديا -
المثقف ليس النقد غاية لديه، ولا الدعوة إلى الصلاح... المثقف -لا سيما الثوري منه- دوره هو كشف قوانين المجتمع وتبيان وسائل وطرق تغييره والتقدم به.
المثقف لا يتوقف دوره على النقد، بل مطلوب منه أن يتجاوز الظاهر ليكشف الباطن. مطلوب من المثقف أن يشرح للناس تركيبة اجتماعها وصراع القوى فيه ومحتوى هذا الصراع ورهاناته.
المطلوب منه أن يكشف القوى الاجتماعية المستفيدة من الواقع والتي تمنع تطور المجتمع والدولة، بدل الالتهاء بوصف الظاهر. المطلوب من المثقف (الثوري) أن يُعين القوى الاجتماعية التي لها مصلحة باحتضان الإصلاح والتغيير، بدل الانطلاق من ثنائيات تبسيطية عن الفساد.
على المثقف (الثوري) أن يكتشف الأسباب الحقيقية لانحباس مجتمعه في الماضي، وأن يكتشف القوانين التي منعت في الماضي كل عملية إصلاح وتغيير.
على المثقف (الثوري) أن يدرك أسباب ازدواجية الملْك في بلاده: لماذا هناك دستور "عصري" بجانب "صيغة" و"ميثاق"؟! وبدلا من الانطلاق من مفاهيم مثالية عن الخير والشر عليه أن ينطلق من المعطى التاريخي الملموس، لكي يتأكد من وجود دولة ناجزة حيث هو موجود. عليه أولا أن يتأكد من استقلالية هذا البلد، لأن إصلاح الحكم والإدارة في بلد محتل غير ممكن، لا، بل مستحيل.
إن نطاق عمل المثقف (الثوري) يتجاوز الظاهر واستنساخ تجارب إدارات الدول الناجزة وإسقاطها على مجتمعات أخرى.
لا يكبر المثقف (الثوري) بالوقوف مع "الحق"، بل باكتشاف القوة الاجتماعية التي لها مصلحة بهذا "الحق"، واكتشاف خط التاريخ الذي على بلده أن يسلكه لكي يصبح مستقلا ويملك شروط الدولة الناجزة.
المثقف (الثوري) ليس المثقف الذي لا يكف عن الدعوة إلى الثورة، بل هو المثقف الذي يحدد محتوى هذه الثورة وقواها انطلاقا من قراءة حقيقية لمجتمعه الملموس.
إن المثقف (الثوري) ليس ذلك الذي يملك كاتالوجا من الممارسات الإدارية "السليمة" التي كان قد نسخها عن دول أخرى، بل هو ذلك الذي يكتشف شروط تقدم بلاده وشروط حيازتها على ما يمكن أن يجعلها دولة حقيقية.
إن المثقف (الثوري) هو ذلك الذي يعمل على بلورة القوة السياسية القادرة على حمل مشروع التقدم في بلاده، وإقناع القوى الاجتماعية المعنية بذلك إلى الانضمام لهذا المشروع والنضال من أجله.
المثقف (الثوري) في بلادنا التابعة ليس ذلك الذي يعمل على تغيير "الطرابيش" داخل كيانات خلقها الاستعمار على مقاس مصالحه، بل هو الذي يعمل على تحرير بلادنا من الهيمنة وتجميع كل الشروط اللازمة من أجل بناء دولة قادرة موضوعيا على الدفاع عن أمنها وعن ثرواتها وعن غذائها وعن عيش أبنائها وعن الوفاء بأعباء تطورها السليم.
* كاتب لبناني.
المصدر روبير بشعلاني
زيارة جميع مقالات: روبير بشعلاني