روبير بشعلاني

روبير بشعلاني - كاتب لبناني -

أحيانا قد تتخذ القطيعة السياسية مع بعض الشخصيات أو التيارات شكل ردة فعل عصبية على موقف ناقد أو شاتم، أو على موقف غريب في ظرف سياسي جديد ومضطرب، فيغلب الشكل على المضمون ويذهب ظن البعض إلى أن الأمر لا يتعدى المعاتبة من صديق لصديق أو من حليف لحليف.
لا يا سادة، إنها قطيعة سياسية، لا شخصية. إنها قطيعة سياسية مع تيارات توقف التاريخ عندها وتجمد.
فماذا يظهر معنا إذا ما تجاوزنا الظاهر؟ وهل هي في الحقيقة غير تتويج لمرحلة وصلت إلى نهايتها؟
فالصراع في إقليمنا قد اشتد وتوسع على مدى المنطقة والعالم، وتجاوز الصراعات التقليدية السابقة، بعد وصول الناهب الدولي إلى حالة مأزقية كبيرة واضطراره إلى الانتقال إلى الهجمة المباشرة والأوسع بعد فشل أدواته في القيام بالمهمات التي كان يعتمد عليها في قضاء حوائجه.
وأهمية هذا التطور الجديد أنه كشف جوهر الصراع الحقيقي الذي كان يقتصر بالسابق على الأدوات المحلية والإقليمية، وأنه دفع نحو رفع درجة الوعي والمهمات.
إن هذا التحول في درجة الصراع فرضت وعيا جديدا للتناقضات لم يكن الجميع على الدرجة نفسها من الاستعداد لفهمه وإدراكه وتلبية مقتضياته.
وعليه فقد خلق هذا التفاوت في وعي الضرورة فالقا سياسياً لا يمكن الاستمرار في سدّه بناء على الماضي وعلاقاته. والقطيعة هنا أصبحت موضوعية وضرورية، لقصور وعي المرحلة الأولى عن تلبية متطلبات المرحلة الجديدة من الصراع.
فمن توقف وعيه عند نظرية البوصلة مثلا أو حتى عند التغيير في الكيانات لن يستطيع أن يواكب انتقال الصراع إلى ساحات الشام والعراق واليمن... وهو لن يستطيع أن يقدر أهمية هذه المعارك ومعناها. أضف إلى أنه لن يعود قادرا على استيعاب المهمات الموضعية انطلاقا من المساحة الجديدة للحرب ومقتضياتها وموازين القوى فيها، وسوف يقتصر وعيه على ما يقع عليه بصره لا بصيرته، على ذاكرته لا على التحديات الحالية.
هذا العقل يتحول في جموده إلى كابح يمنعك من الاستجابة للتحديات، إذ يحاول أن يجرك إلى "معاركه" وما يظن أنه واجبك (لذا النصائح والدروس).
إن عجز البعض عن مواكبة تلك التدرجات بالصراع، معطوفا على عجزه الأساسي عن وعي طبيعة الصراع كصراع ضد الهيمنة وليس فقط ضد الاحتلال، يجعلان من الافتراق في هذه اللحظة مسألة حتمية وموضوعية لا دخل للعتب فيها أو لردات الفعل العاطفية أو الشخصية.
بين من يتابع الصراع ويواكب صعوده وتعقده، وبين من يريد أن يتمسك بالصراع القديم المبسط كما رسمه في وعيه، لا مجال لمتابعة الالتقاء. 
وإذا كانت التحالفات السابقة محكومة بسقف المعركة السابقة وطبيعتها، فإنها عندما تتعدى هذا السقف ويرفض البعض الانتقال بوعيه إلى مرحلة أعلى تلبي شروط المعركة الجديدة يصبح الطلاق أبغض الحلال. ذلك أن بقاء طرفٍ بالماضي يجعله أسير العدو وألاعيبه وغير قادر على مواجهته، لا بل يمكن أن يتحول في بعض الأحيان إلى وديعة للعدو وحصان طروادة له.
التخلص منه في هذه الحالة شفاء للنفس والجسد وتخفيف للأثقال والأعباء، وتقوية للجذع الأساسي وللفروع. 
وفوق ذلك فإن الطلاق هذا صحّي في هذه الحالة، لأنه ناتج عن ختام مرحلة، وعن ضرورات موضوعية لا مكان فيها للشخصي ولا للعاطفي.
* كاتب لبناني.

أترك تعليقاً

التعليقات