عن الحصار كفرصة
 

روبير بشعلاني

روبير بشعلاني / لا ميديا -
الحصار الذي نواجهه اليوم ليس جديدا، ففي 1915 ضرب الإنكليزي، والفرنسي معه، في البحر المتوسط حصارا استهدف الإمبراطورية العثمانية بهدف تفتيتها ومنع وصول القمح والمواد الغذائية.
وكان الحصار من العنف بحيث وصل إلى منع الأمريكي يومها من إيصال أي مساعدة للشعوب المحاصرة، فمات في جبل لبنان وحده 40% من السكان.
وكما في الحصار الأول قام المحاصِرْ باتهام الإمبراطورية بمصادرة القمح والتسبب بالجوع. واليوم المحاصِرُ يتهم إيران باحتلال العرب وتجويعهم. اللعبة ذاتها.
وكما في الحصار الأول، يعيد الأمريكي، ومعه الإنكليزي والفرنسي، التجربة ذاتها، لكن هذه المرة بهدف تثبيت الهيمنة ومنع الاستقلال والصعود.
إلا أن الظروف هذه المرة، ولحسن الحظ، ليست لصالح الأمريكي، نتيجة عاملين جدليا مترابطين: الأزمة البنيوية للرأسمالية المالية وما يرافقها من تبذير القيم الاقتصادية بدل إنتاجها، والعيش على التسول في أسواق المال والتعويل على الديون، مقابل دول وازنة ومنتجة وصاعدة ومستقلة.
وفي حين نجح الحصار الأول بأهداف التفتيت وخلق الدول غير العيشية، يواجه الحصار الثاني مقاومة ضارية أدت إلى هزيمته وتراجعه وتردده وضياعه، ما يدفع إلى تصحيح الخلل التاريخي الذي خلقه الحصار الأول.
فغريزة البقاء ستدفع نحو تفكيك المنظومة القائمة لصالح سوق عربية إقليمية مشتركة وتحرر وطني ناجز.
والتوجه شرقا في هذا الإطار ليس عملية تقنية، بل هو انقلاب سياسي شامل وكلي على نتائج الحصار الأول، ومنع الحصار الثاني من تحقيق أهدافه. انقلاب يستوجب إدراك طبيعة الصراع والتموضع فيه في المحور الذي يمثل مصالح شعوب الإقليم وتحررها من التبعية.
إذن هو، هدف وبرنامج عمل سياسي ومشروع مرحلي للبناء مع أصحاب المصلحة يستوجب النضال من أجله وإعداد القوى صاحبة المصلحة والتنظيم وبلورة المشاريع المستقبلية.
الظروف مناسبة رغم المظاهر البائسة. فلنحول الحصار إلى فرصة تصحح التاريخ وتعيد فتح أفق التطور المستقل الذي نجح الغرب الاستعماري في سده لقرن كامل. وهل هناك وضع أفضل من وضعنا اليوم؟!
الناهب الدولي يحصد الخيبات، خيبة إثر خيبة، ومحور النهب يتشقق ويتحضر لمواجهة نتائج انقطاع حبل النهب.
فشل الأهداف والمشاريع التي غامر بها في العالم عامة، وفي منطقتنا خاصة، جعلته يبحث عبثا عن بديل يقيه ما قد كتب. ومن فرط ضياعه يضغط علينا فيسرع عملية تبني مشروع الصعود كحل وحيد وعقلي.
يحاول أن يحاصرنا فيجبر أغلبية قوانا الاجتماعية على التحرر واختيار طريق أخرى.
باختصار: العدو الناهب في مأزق بنيوي، ولم يعد لديه ما يمنحه غير الظلام والديون والجوع والعطش، بينما نحن في وضع فتحت له كل الآفاق، فهبوا إلى المستقبل، هبوا إلى الاستقلال، هبوا إلى التحرر الوطني، استرجعوا من الآن فصاعداً ثرواتكم ومواردكم وقرروا ما تشاؤون بها.

  كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات