روبير بشعلاني

روبير بشعلاني / لا ميديا -

بكل تواضع، اتضح بالبرهان الحسي اليوم أن إثارة إشكالية الأورومركزية انطلاقا من فرضيةٍ تعتبر أنها في بلادنا تأسيسيةٌ لكل ما عداها، اتضح أنها فعلا تأسيسيةٌ وخط نارٍ فكريٍّ فاصل.
فلقد كنا نعتقد أن الصراع هو أساسا من طبيعةٍ تحرريةٍ وطنيةٍ، وأن هذا الصراع سوف يقوى ويتفاقم، وسوف يصبح أكثر وضوحا وصراحة. وكنا نتوقع أيضا أنه عاجلا أم آجلا سوف يضطر الجميع إلى كشف أفكاره الحقيقية المنسجمة مع موقعه من إشكالية الأورومركزية الأساسية.
وها قد أتت الوقائع لتثبت ذلك، فلا الروح الثورية ولا اليسارية ولا العدلاوية ولا الديمقراطية استطاعت أن تمسك البعض من أن يعلن اليوم شعلته لفرنسا العلمانية والديمقراطية والمنورة.
فعندما يشتد الصراع بين المستعمر/ الناهب الدولي وبين الشعوب المضطهدة، يجد الأورومركزي نفسه أوتوماتيكيّا في صف المستعمِر، قرابته في الفكر والقناعات العميقة، ويذهب نحو تبني أطروحاته الفكرية عن الصراع كما هي، وبدون تلك "الروح النقدية" التي طالما كان يتغرغر بها.
ذلك أنه قد تبنى من حيث الأساس قناعات تقوم أولا على أن التاريخ بدأ بالغرب، وهو يكون غربيّا أو لا يكون. وثانيا على أن الغرب هو صورتنا المضيئة يوما، وهو نمط المعاش الأرقى تاريخيّا. وثالثا على أننا  بشرٌ متخلفون مع إمكانية العمل على تمديننا إذا ما ضحَّينا بجهدنا وعرقنا ونضالنا.
وعندما يصطدم الغرب الحقيقي، بما هو استعمارٌ وطمعٌ ونهبٌ، بالشعوب الضعيفة فإن الأورومركزي لا يملك، وفقا لقناعاته، إلا أن يقف ضد "التخلف" وأشكاله المتنوعة، أي مع الهيمنة الغالبة.
هذا بديهي، فمن تأسس فكره "الثوري" و"التغييري" و"الإصلاحي" و"الليبرالي" على كره نفسه وعلى احتقار شعبه وتراثه وتاريخه وثقافته ولغته، سيجد في الغالب في المتجبر ولعه ومثاله.
عندما سخر البعض من أطروحة الأورومركزية، واعتبروها عمل منظرين لا عمل لهم خلال "التغيير"، تحملنا النقد وصبرنا على التجني وعلى الفكر السائد. لكن الفضيحة اليوم مجلجلة. فجماعات التنوير، أسوة بإسلام بريجنسكي، كلهم في صف "أنوار" الاستعمار والناهب الدولي. فهنيئا لهم.
*  كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات