روبير بشعلاني

روبير بشعلاني / #لا_ميديا -

ثمة فيديوهات ومواقع تبث معلومات وأخباراً ونظريات قائمة على نظرية المؤامرة.
وهذه المحاولات واضح هدفها وأساليبها. فهي تحاول أن تطمس حقيقة الصراع في العالم، وتحاول أن تزرع مكانها تصورات خزعبلاتية عن الكون دون أي أساس علمي أو توثيقي.
إنهم يحاولون أن يزرعوا الرعب واليأس في رؤوس المشاهدين. فهم يقولون لهم إن هناك أشراراً قد اجتمعوا في مكان ما سرّي وقرروا أشياء سرية دون أن نفهم علاقة هذه الأشياء بالدول ولا علاقتها بعضها ببعض.
فالأشرار حسب هذه الفيديوهات يسيطرون على الاقتصاد وعلى الحكومات وعلى العقول، وبالتالي يحذروننا منهم ومن خطرهم، دون أن يعطونا طريقة مواجهتهم أو الوسائل أو الأسلحة التي تسمح بتقويض مساعي الأشرار وإعلاء الحق والخير.
واضح أن هذه الفيديوهات العالمة جداً لا تقترح حلا ولا مواجهة. هي فقط تنبئنا بأننا سنموت بسبب أشرار لا نعرف مكانهم ولا الدوافع التي تحركهم.
يقولون إن الصين وروسيا هما أدوات هذا المشروع الجهنمي، فيجعلون من الكون وحدة سياسية واحدة لا تعمل إلا لتنفيذ حكم الأشرار.
طبيعة الرأسمالية وتطورها وقوانينها والتناقضات التي تولدها والتي تخلق أسباب التنافس والصراع والحروب، كل ذلك لا يخطر على بال هؤلاء العلماء.
البلاء أن البعض يسير معهم ظنا منه أنهم معارضة النسق القائم والمسيطر. وهذا طبعا غير صحيح البتة. فمعارضة النسق المسيطر لا تنطلق من تحت الأرض ومن سوالف الحلاقين، بل من تحليل علمي للنسق القائم ولتناقضاته والصراعات التي يولدها.
فالصراع ليس سرياً، وقواه ليست خفية، فهي موجودة أمامنا وأهدافها واضحة وضوح الشمس.
الرأسمالية -لمن يعرفها- قد انتقلت من الصناعة إلى المال بناء على قوانينها الذاتية. وهي نقلت صناعتها بيديها إلى الصين وبالعلن. وهذا منطق الربح الذي يدفعها. 
هذا التطور خلق تناقضا بين الرأسمالية المالية وبين الرأسمالية الصناعية الصاعدة. وهذا ما تعبر عنه الأرقام والبيانات والإحصاءات والتوقعات. فالربح والفوائض في جانب، والخسائر والديون والبطالة وترشيق الدولة في الجانب الآخر.
إن هذا الصراع التناحري واضح لمن يقرأ الواقع ويبتعد عن الخرافات المؤامراتية.
فهل كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية خضوعاً للمجموعة الشريرة تلك، أم لأسباب التنافس بين الدول الرأسمالية ذاتها؟
لا مصلحة للشعوب المنهوبة اليوم في أن تخضع مرة جديدة لخرافات تضع الصديق مع العدو في سلة واحدة. لا مصلحة لها في اليأس والقنوط والتسليم لعلماء تحليلاتهم أقرب إلى تحليلات ليلى عبد اللطيف منها إلى تحليلات العلم ومناهجه.
*كاتب لبناني.

أترك تعليقاً

التعليقات