مأزق منظومة الهيمنة
 

روبير بشعلاني

روبير بشعلاني / لا ميديا -
قد يصح القول إننا لسنا بنهاية معركة ولا حتى بنهاية شوط منها بقدر ما نحن في بدايتها.
قد يظن البعض أنني أغالي في توصيفي وأسعى إلى جلب عناصر متفائلة تعينني على تقبل الأمر الواقع وتحمّله.
أما العودة إلى السياق التاريخيّ الذي نعيشه فتعيننا على وضع الأحداث في إطارها الطبيعي وهي تساعدنا على إدراك نسبية ما يحصل وتوقع القادم من التطورات.
نحن لسنا بنهاية معركة إذا قبلنا بأن ما جرى لم يكن معزولاً عن التحولات التي تصيب الكون الذي نعيش فيه. 
فكل ما يجري يشي بصراع بالكاد خفيّ بين إمبراطورية كبرى سيطرت على الكون بالتوارث وبين إمبراطوريات قديمة جرى استتباعها والسيطرة على منابع قوتها.
ونحن اليوم بقلب هذا الصراع المحتدم الذي يحاول فيه الطرف المهدَّد أن يمنع عودة تلك الإمبراطوريات إلى الحياة من جديد.
لا شيء قد حُسم أو هو محسوم بداهة. يحاول كل طرف أن يجمع بطريقته أوراقاً تفيده في إدارة هذا الصراع (منها ما جرى ويجري في بلادنا منذ فترة إلى الآن).
المؤكد حتى الآن هو دخول الإمبراطورية المهيمنة في أزمة كبيرة عنوانها التوقف عن إنتاج القيم الاقتصادية وفقدانها لأسواق أساسية مما جعلها تراكم الديون الفلكية.
والمؤكد كذلك أن تلك الإمبراطورية لم تجد إلى الآن حلاً مثالياً لمأزقها الوجودي. فهناك من يعتقد فيها أن الحل يكمن بإعادة تكوين العالم من جديد بحيث يمكن إبقاء الهيمنة كنظام عالمي سائد. وهناك من يظن أن الحل يكمن في إعادة تكوين الداخل الإمبراطوري بحيث يعود إلى خلق القيم الاقتصادية.
بكل الحالات فإن التفكك الذي نلحظه في الداخل الإمبراطوري بدأنا نلاحظه كذلك في الخارج.
بناء على هذا التوصيف يمكن القول بأن الهيمنة ورغم تحقيقها لمكاسب تكتيكية مهمة في الفترة الأخيرة لم تتمكن من تسجيل نصر استراتيجي يتيح بناء منظومة مستقرة تخدم فكرة تعويم الإمبراطورية ومنع خصومها من البزوغ.
أضف أن ما ربحته أتاح لأدواتها أن تختلف فيما بينها على توزيع المغانم.
ففي ظل إمبراطورية تترنح وغير قادرة بعد الآن على توحيد أدواتها ما يفتح شهية الجميع.
من جهة أخرى نلحظ حاجة الإمبراطورية إلى التوحيد القسري وإلى المزيد من الموارد الخارجية في الوقت الذي تتزايد فيه حاجات هذا الخارج إلى تلك الموارد، الأمر الذي يشي بتناقضات إضافية في قلب هذا المحور.
على المقلب الآخر، نرى أن دول الصعود تتعرض إلى المزيد من الضغوط العسكرية والاقتصادية والتهديدات الكبرى. ورغم وجود «مصلحين» كثر على رأس تلك الدول ووجود رهانات على إدارة سلمية للصراع، فإن المؤكد أن الضغوطات سوف تتزايد شهراً بعد شهر.
وبما أن الشعوب تزداد فقراً وحاجة لكل شيء بسبب الهيمنة الطماعة، فإن التوقعات لا تميل نحو الاستقرار والعيش الرغيد، بل هي تميل نحو خلق قوى تحرر وطني تواجه بها النهب والهيمنة.
وهنا ربما كان من المفيد أن نشير إلى أن الكثير مما يجري هو انعكاس لمأزق منظومة الهيمنة وليس انعكاسا لقوّتها.
ولذلك علينا تفهم ردات فعل من يعيش الحدث المحلي سواء كان «مهزوما» أم «منتصرا».
المعركة بهذا المعنى بالكاد قد بدأت. وهي ستطال مساحات جغرافية جديدة.

كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات