عويل الأذناب على قدر الوجع
 

روبير بشعلاني

روبير بشعلاني / لا ميديا -
يحاول الناهب الدولي عبر أدواتٍ "مفكرة" من أبناء جلدتنا أن يسوق لفكرة أن خصمنا أقوى منا بكثير، وأنه مهما فعلنا فلن نستطيع أن نكسر الهيمنة الخارجية.
ويحاول هذا الفكر (السلعة) أن يقنعنا بنعمة الاستسلام وبفشل محاولة التحرر سلفاً. ولكي يقنعنا يستنتج أن كل محاولات الصد قد انتهت بحروبٍ خاسرةٍ مرفقةً وملفوفةً بخطابٍ مزيفٍ عن نصرٍ مزعوم.
ينسى هذا الفكر (السلعة) أن الشعوب تراكم وتتعلم في معاركها، وأنها تلتقط وميض الأمل قبل هذا الصنف من النخب المستلبة بكثير. فالشعوب تتعلم من خسائرها كما من انتصاراتها، وهي تتابع تطور موازين القوى التي تسمح لها بالتحرر.
وينسى أن الشعوب المضطهدة، بعكس "قناعات" هذا الفكر، تغتنم فرصة تراجع عدوها ومأزقه وفرصة تعاظم محور الصعود لكي تخلخل منظومة عدوها وتزيد أزماته الوجودية.
وينسى كذلك أن الشعوب المضطهدة لا تتحرك وفق أجندات فلان أو علان، بل وفق التقاطها لهذا الأمل الواقعي الذي يقربها من تحقيق آمالها بالتحرر والتقدم وبناء دولتها الكبرى.
لذلك فإن محاولات التركيز على الخسائر في حروب الشعوب هذه وطمس هزيمة الاستراتيجيات العدوة بالمقابل هدفها واضحٌ: زرع اليأس وتوجيه الناس نحو تناقضاتٍ ثانويةٍ تعمق الصراع فيما بينها، أو التركيز على مواضيع بائسةٍ سلفاً لا تقود إلا إلى اليأس والاستسلام.
مقياس النصر أو الهزيمة في الحرب الإمبريالية الحالية ليس في عدد الأبنية التي دمرت، بل في مدى نجاح المحارب في الاقتراب أو لا من تحقيق أهدافه.
ولو لم يكن ذلك صحيحاً لما كان العدو يتخبط اليوم ويعاني ما يعانيه، لما كان العدو يواجه في كل مرةٍ قوةً أعظم من كل سابقاتها وأكثر كفاحيةً وعقلانيةً وتصميماً.
مقياس النصر والهزيمة موجود في النتائج التي تلي الحرب، وتعمق أو لا تعمق مشاكل العدو الداخلية وتزيد أو لا تزيد القوى التي تواجهه.
مقياس النصر والهزيمة موجودٌ كذلك في قدرة العدو على الردع أو في عجزه وارتداعه، وليس في قوته التدميرية المعروفة سلفاً.
مقياس النصر أو الهزيمة هو أخيراً في "الجو النفسي" الذي يميز النتائج؛ فعندما تنتشر فكرة "نهاية الرحلة" في صفوف العدو، وعندما تعلو الأصوات المنادية بالرحيل من جديد، عندها لا يمكن القول بأننا "نحول الهزيمة إلى انتصارٍ مزيف".
النصر والهزيمة معاييرهما عقلية وموضوعية، وليست مواضيع إنشاءٍ في الصفوف الابتدائية كما يحاول عبثاً الفكر الأورومركزي أن يسوق.
فمن يريد تحرراً بلا أثمان هو ليس من هذا العالم. هو عبدٌ يستأنس حياة العبودية ويعشق استقراراً مُتَوهَّماً. هو مستلبٌ، رأسه في الغرب ولا يعي أن رجليه في مكانٍ آخر.
بعقلانية وبكل برود وهدوء، يمكن القول بأن الزرع قد أينع، وأن القطاف لم يعد بعيداً.
العدو انهزم. نعم، لأنه فقد وظائفه ودخل في مرحلة الأفول، أسوةً بمنظومة الناهب الدولي التي دخل راعيها الدولي مرحلة أفولٍ كذلك. عويل الأذناب على قدر الوجع.
كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات