إنها فقط الضاحية!
 

روبير بشعلاني

روبير بشعلاني / لا ميديا -
الضاحية التي يسعون لهدمها لأسباب صارت معروفة ليست مدينة تحمل اسماً؛ إنها فقط الضاحية.
عندما كنت صغيرا عرفت الضاحية باسم الغبيري والشياح لجوي وحارة حريك والسقي والبرج والمريجة...
عرفت جدتي لأمي وأخوالي وخالاتي وأبناءهم وبناتهم... منازلهم الدمشقية وبركة المياه وشجرة الأفندي والبوصفير واليوسفي... وعرفت منهم من سعى إلى «الحضارة» فبنى أبنية شاهقة وحجز له مسكنا في طوابقها العليا ناسياً بناء المصعد فيها، فكنت اضطرّ إلى صعود السلالم طبقات طبقات حتى أزورهم.
عشت الضاحية بكل تفاصيل تحولاتها؛ عشت سقي الحارة ومن سكنها، ثم عشت مجيء اللاجئين الجنوبيين الهاربين من غزوات حضارة المخفر الذي زرعته حضارة الغرب جنبهم؛ عشت هجرة إجبارية ليس نحو مصانع لندن وضواحيها بل نحو «الضاحية «؛ عشت هجرة أهل الحارة والمريجة والسقي نحو نهر ابراهيم... عشت أوهام اليسار والطبقات والثورات فيها... ظننت أنها مدن صفيح العمال الهاربين إلى المدن بهراوات البورجوازية... عشت فيها وأحببتها وأحبّتني مع ذلك...
وعندما هاجرت نحو «الحضارة» علمت أنها الضاحية؛ أي ليست مدينة باسم، بل صفة لمنطقة هي ضاحية المدينة، هامشها الفقير، ناسها غير المندمجين...
وكيف يندمج من هو هارب من هول الحضارة وقنابلها؟! كيف يندمج فاقد بيته ببيت أنشأته الحضارة لأدواتها؟!
وهاهنا أصبحت الضاحية ضاحية العالم، وصار هذا العالم الحضاري يحلم بإبادة سكانها وتدمير أبنيتها ومساكنها أسوة بسكان ضواحي العالم الأخرى!
صارت الحضارة مهددة وهي تنوص وتتقهقر وتحقد على الضواحي، لأنها تحمل بذور التحرر من النهب وإرادة كسره... إنها الضاحية!

كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات