شُبَّابَة
 

عبده سعيد قاسم

هل نحن الذين أتينا الى الحياة على ظهر العقد الستيني من القرن المنصرم جيلاً محظوظاً أم جيلاً خائباً؟ يطرق هذا السؤال ذهني كلما تحدثت مع شباب لايزالون في مقتبل العمر في هذا الزمن المحكوم بتفاصيل وضغط ما يسمى «عصر السرعة» و»الكون قرية واحدة» و»ثورة المعلومات» والإنترنت المتخم بالعناوين العريضة لـ»قصة نجاح»، و»كيف تصبح مليونيراً» إلخ.. كثير منهم تراودهم أحلام كبيرة «في عالم لا تعيش فيه الأحلام» على حد تعبير شاعرة يمنية شابة. ويطالبون الزمن والناس بسرعة تحقيقها وبشروطهم، وإلاّ فإنهم سيبصقون في وجههما غضبهم ولعناتهم القاسية، وستتملكهم مرارة الشعور بالخيبة واليأس.
يلقون إليك السمع المرهف حين تحدثهم عن طبيعة الحياة في زمن شبابنا نحن الستينيين، ويعتبروننا جيلا محظوظا حتى ونحن نحدثهم كيف قذفتنا الأرحام إلى شظف الحياة من لحظة الميلاد حتى زمن الشيخوخة والاكتهال!
 يفغرون أفواههم دهشةً وأنت تقص عليهم قصة طفولتك الحافية وشبابك الممزق، وسبب انقطاعك التام عن المدرسة لأسباب لم نكن نعيها، وعن حروب اقتحمت مشاهدها الثقيلة وأخبارها القاسية عمرك الصغير، ورافقتك واقعاً وذكرى حتى اليوم، بدءاً من حروب 72 في شرعب وماوية والمناطق الوسطى، مروراً بحروب الثمانينيات وسجن الأمن الوطني ومهرجانات التعذيب في لياليه الحالكة البشعة، فيقولون الله ما كان أسعدكم! 
ليس لأن هؤلاء الشباب لا يدركون الفوارق الجوهرية بين ما كان في تلك السنين وما هو كائن اليوم، لكن أدوات القياس والمقارنة لديهم تتمحور في تفاصيل صغيرة بسيطة عشناها ونتحدث عنها بشجن وحنين، ولم يعيشوها هم، وحرموا منها نتيجة لما طرأ من قيم مادية ضختها التطورات السياسية والاقتصادية الى مفاصل الحياة، وأصبحت تمثل أكواماً هائلة من التعقيدات، وألقت بظلالها ليس على الجوانب الاستهلاكية الضرورية لاستمرار الحياة فقط، بل إنها طالت حتى خارطة القيم الاجتماعية، وأصابتها بأضرار بالغة. 
لذلك فإن جيلنا وجيلهم محكوم بالضرورة بحركة الحياة وقوانينها. نحن كنا جيلاً محظوظاً لأننا عشنا في ظل قيم اجتماعية متسامحة رحبة الآفاق، وكنا متصالحين مع واقع الحياة البسيط، فيما جيل اليوم يعيش واقعا مثقلا بمطالب الحياة الباهظة وقيمه المادية في ظل جفاف فادح لمنابع القيم الاجتماعية الجميلة.

أترك تعليقاً

التعليقات