شُبَّابَة
 

عبده سعيد قاسم

إلى شيخ الحلقات الثورية وإمام النشيد المبصر العظيم الشاعر (عبدالله البردوني) في الذكرى الـ17 لرحيله

17 عاماً منذ أكملت لنا القصيدة ورضيت لنا الشعر نشيداً يا إمام الحرف وسيد القافية.. نحن لا ننعيك ولا نرثيك، فلست ممن يغيبهم الثرى، ولا ممن يحجبهم الموت، أو يمنعهم من ممارسة حضورهم الأبدي الخالد.
وها أنت بكامل حضورك تملأ الدنيا نشيداً.
ومثلما أخفق العمى في أن يطويك في مجاهل الإعاقة، فشل الموت أيضاً في أن يطويك في مجاهل النسيان والغياب. 
(قيل لا غرام ولا رجام) 
وقلت أنت:
(ها أنا يا أمي اليوم فتىً
ذائع الصيت بعيداً في الشّهابِ)
أنت هنا ملء الحياة نشيداً وشعراً وغناء..
وهناك تقيم حلقات الشعر، وتقف كقبلة يولي الشعراء وجوههم شطر قلبك المفعم بالحيوية والقصائد.
أرى أبا تمام يصغي إليك وأنت تخاطبه: 
(حبيب وافيت من صنعاء يحملني
نسرٌ وخلف ضلوعي يلهث العربُ
ماذا أحدِّث عن صنعاء يا أبتي 
مليحةٌ عاشقاها السل والجربُ
ماتت بصندوق وضاحٍ بلا ثمنٍ
ولم يمت في حشاها العشق والطربُ 
لكنها رغم بخل الغيث ما برحت
حبلى وفي بطنها قحطان أو كربُ 
كانت تراقب صبح البعث فانبعثت
في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقبُ
وفي أسى مقلتيها يغتلي يمنٌ
ثانٍ كحلم الصبا ينأى ويقتربُ)
إني أراك هناك في سدرة المجد والخلود، تهدي المتنبي من دمه وردة، وتقدمه لضيوفك قائلاً:
(من تلظي لموعه كاد يعمى
   كاد من شهرة اسمه لا يُسمّى)
 ثم تسأله وتجيب: 
(من تُداجي يا ابن الحسين أداجي
أوجهاً تستحق ركلاً ولطما)
سيدي يا رفيقنا في مسيرات الكفاح، وحادي أرواحنا في طرق الليالي المخضبة بالحرف ونشيد القوافي..
وحين تجد متسعاً من الوقت والحزن تناجي الحبيبة، وتسألها:
(إنا تلاقينا هنا
قبل انتظارك واغترابي...
 هل تلمحين الذكريات
تهز أضلاع الترابِ؟!
كيف اعتنقنا للوداع
وبي من اللهفات ما بي؟
وهتفت لاتتوجعي
سأعود فارتقبي إيابي)
إني أقل من أن أكتب عنك شيئاً يليق بمعناك العظيم، لكني رغم ضآلة حضوري في عالمك اللامتناهي، أشعر أنك لمحتني بين الحشد، وأسمعك تسائل نفسك عني:
(من ذلك الوجه؟ يبدو أنه جندي
لا بل يريمي سأدعو جد مبتعدِ
أظنه مرشد القاضي كقامته
   لا بل مثنى الرداعي مرشد الصيدي
عرفته يمنياً في تلفُّته
خوفٌ وعيناه تاريخ من الرمدِ
من خضرة القات في عينيه أسئلةٌ 
صُفرٌ تبوح كعودٍ نصف متقدِ
أظنه دبعي أصل والده 
من يافعٍ أمه من ســـورة المسدِ
رأيت نخل المكلا في ملامحه 
     شممت عنب الحشا في جيده الغيدِ)
إنك هنا في كل موقع من مواقع التصدي، غاضباً تتقد رفضاً للعدوان ولعملائه وقواديه.. تسل يراعك وتصوبه إلى صدر المعتدي، وتسدد إلى قلبه ألف كلمة كمليون طلقة، وترديه مهزوماً:
(نعرف الموت الذي يعرفنا
     مسنا قتلاً ودسناه قتالْ)
(صار أغنى صرنا نرى باحتقارٍ
       ثروة المعتدي كسروال قحبةْ)
يا شيخ الحلقات الثورية وإمام النشيد.. أيها الحاضر ملء الآفاق والقلوب، رغم أنف الموت والردى..
سلام عليك يوم ولدت ويوم اتحدت ذرات جسدك بتراب هذا الوطن الذي فرشت لقدومه من رحم الحلم قصائدك المحاكة من الماء والنور والنار، وذدت بالشعر الشجاع عنه مخالب العملاء وحراب العدو الطامع.

أترك تعليقاً

التعليقات