شُبَّابَة
 

عبده سعيد قاسم

نسمع دعوات كثيرة من بعض أعضاء الإصلاح وبعض حلفائه، يحثون فيها ويطالبون حزب الإصلاح بمراجعة حساباته في علاقته بالآخر، ثم نفاجأ بأن الكتائب الإلكترونية لهذا الحزب تشن هجوماً إعلامياً شديداً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على الحزب الاشتراكي وعلى التنظيم الناصري، وهما أبرز الأحزاب المتحالفة مع الإصلاح في اللقاء المشترك. 
وتذهب دعوات المراجعة أدراج الماضي الإصلاحي المثقل بالصدام مع هذه الأحزاب وغيرها. فتاريخ الإصلاح مزدحم بالعداوات والصدام، ولا مكان فيه للتسامح والاعتراف بحق الآخر بممارسة قناعاته السياسية وإبداء الرأي، فتاريخه مثقل بأطيان الدماء وشيطنة الآخر وتكفيره وقسره على الاختفاء والتواري أو تصفيته، وذلك ما جعله يصل الى نقطة اللاعودة في تعاطيه الأناني والمتطرف مع مجمل القضايا الوطنية، وجعله عاجزاً عن تجاوز إرثه العدائي مع الآخر، سواء كان حليفاً أو خصماً، ولا فرق. وكل ظهوره في بعض الفترات كحزب يقبل التعايش مع مخالفيه، ليس إلا تكتيكاً انتهازياً مرحلياً بمقتضى فقه الضرورة. 
لذلك كان نواح فقهائه في منصات الساحات على مظلومية صعدة ومظلومية أبناء الجنوب، مجرد صراخ انتهازي يستهدف من ورائه تجييش الشعور الجمعي بالغضب ضد نظام صالح الذي كان الإصلاح جزءاً أساسياً منه من أول قيامه حتى انفجار فوضى فبراير٢٠١١، واستغلال طاقات الشباب من أجل عودته إلى مواقعه في السلطة التي خسرها نتيجة اختلال التوازن في تركيبة النظام لصالح صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، من بعد حرب صيف ٩٤ وإقصاء الحزب الاشتراكي اليمني من المساحة التي كان يشغلها في نظام ما بعد إعلان الوحدة اليمنية، الذي أسهم الإصلاح بقوة في إقصاء الحزب منه، ظاناً أنه ـ أي الإصلاح ـ سيرث الاشتراكي، غافلاً أو متغافلاً عن الحقائق السياسية التي تؤكد أن زوال الخصم أمر يؤدي بالضرورة الى اختلال في ميزان القوى، مما يجعل الخصم الذي يعتبر نفسه منتصراً عرضة للجزر والتلاشي، وربما للزوال. كما أن الضد يستمد مبرر بقائه من الضد أيضاً، وقضاء أحدهما على الآخر هو في ذات الوقت قضاء على الاثنين معاً.
الإصلاح حتى الآن، وبعد كل ما جرى في الداخل اليمني من متغيرات جاءت ضد استفراد طرف لوحده في تقرير مصير البلاد، وكذلك ما استجدت من ظروف ومناخات إقليمية تقتضي بالضرورة أن يتخلى الإصلاح عن تاريخه المبني على فلسفة إقصاء الآخر والتنكيل به تحت أي مبرر ديني أو سياسي أو أياً كان المسمى. 
لا أدافع هنا عن الحزب الاشتراكي ولا عن التنظيم الناصري، لكن منطق السياسة يحتم على الإصلاح أن يتعامل مع حقائق ومستجدات السياسة ومتغيراتها بما يجعل الآخر يأمن مكره وخداعه، فهذا الحزب تمادى في تهوره وتطرفه في نسف المشروع الاشتراكي والقضاء على الحزب الاشتراكي الذي كان وجوده مهماً لبقاء التوازن في تركيبة نظام الحكم، مما انعكس بالوبال على الإصلاح الذي عليه أن يتعظ.... فالشعب اليمني هو من يمثل حاضنة ومخزوناً بشرياً لأي حزب، وليس النظام السعودي ولا الإماراتي، وعلى الإصلاح أن يتعظ، وأن يعمل قطيعة تامة مع تاريخه الصدامي الأهوج.

أترك تعليقاً

التعليقات