شبابة
 

عبده سعيد قاسم

من مفارقات التاريخ وعجائبه وغرائبه أن ترى طوابير المثقفين من اليسار واليمين والوسط، وقد تحولوا الى باعة متجولين للأوطان، ومجرد سماسرة دم في أسواق النفط، وأن تقف أمام حقيقة صادمة حين تسمع وترى أولئك المثقفين وهم يستجدون حفنة مال من أمراء النفط، وتستعيد محطات كان فيها أولئك وتحت مزاعم النضال الزائف ضد القوى الرجعية والاستعمارية والاستغلال الطبقي، وبعد أن صموا مسامع أعمارنا بضجيجهم التنظيري الأجوف الكاذب عن قدسية وأهمية الانتصار لحقوق الشعوب والأوطان المقهورة المستغلة، وعن قدسية الانتماء للوطن وعدم المساومة بسيادته وحرية أبنائه، والالتزام بهذه المبادئ التي انهارت بمجرد أن تعرضت لهبة ريح نفطية.
إن كل ما كانوا يتشدقون به من شعارات وتنظيرات لم تكن سوى أقنعة تواري عجزهم عن الالتحاق بركب القوى المستغلة للشعوب، وبمجرد ما سنحت لهم فرصة الالتحاق بركب أعداء الشعوب وسارقي عرق ولقمة الكادحين، لم يقصروا، بل خلعوا تلك الأقنعة التي كانت تواري حقيقة السقوط والوضاعة الكامنة في أعماقهم، وذهبوا في موكب للتعري الأخلاقي يعرضون للبيع كل ما كانوا يزعمون أنه مقدس، وأن التفريط فيه جريمة مخزية نكراء، ذهب اليساري الأممي والناصري القومي والليبرالي اليميني يعرضون للبيع الأرض والإنسان والتاريخ والمبادئ والقيم والفقه الثوري، وكل ما كانوا يتشدقون به ويسوقونه للبسطاء من الناس.
لا أدري هل من المنطق أن أتساءل هنا كيف أصبح الدكتور ياسين نعمان المفكر اليساري الذي ومن فرط رفضه وتصديه لخطر الوقوع تحت سطوة السوق الرأسمالية المستغلة، وخوفاً منه على الجماهير الكادحة من فقدان الميزة الاشتراكية والمساواة، رفض أن يتم إنشاء مزارع للدجاج عندما كان رئيساً للوزراء في الشطر الجنوبي من الوطن إبان حكم الحزب الاشتراكي، واليوم أصبح يسطر النظريات التبريرية لما يقوم به العدوان من تدمير لوطن الشعب الفقير الكادح، ويقتل البسطاء الذين آمنوا به كقائد يساري راديكالي مؤمن بطبقته وشعبه؟
وما الذي جرى ليصبح عبدالملك المخلافي المناضل الناصري القومي، يخوض سباقاً مع أمثاله لتبرير العدوان، معتبراً أن الملك سلمان زعيم أحيا الروح القومية في الذهنية العربية؟
ما الذي حدث؟ وماذا جرى ليذهب خالد مشعل، ويصطف مع أعداء سوريا التي احتضنت حركة حماس في وقت لم تجد فيه الحركة موطئ قدم، ففسحت لها سوريا صدرها العربي الدافئ؟
والمفكر عزمي بشارة الذي طردته إسرائيل، لم يتورع أيضاً عن الاصطفاف مع أدوات إسرائيل في المنطقة، ويصبح مجرد بوق يثرثر من قناة (الجزيرة) ضد كل ما هو ضد إسرائيل؟!
كيف انهزمت تلك المبادئ والقيم في أعماق المثقف العربي، لنجد أن الروائية أحلام مستغانمي والروائي واسيني الأعرج هربا من مبادئهما ومن تاريخهما اليساري إلى دبي؟!
هل هي سطوة المال، أم أن تلك المبادئ والقيم هي بالأصل هشة ومستعدة للانهيار والتداعي أمام وحشية الأموال والعيش الرغيد حتى بابتذال وسقوط؟
من سيصدق بعد كل هذا التعري أن حملة ألوية النضال من أجل قضايا الكادحين وحرية الشعوب، صادقون في ما يقولون؟
أليس من حق أي مواطن أن يبصق في وجوه أولئك كل غضبه وندمه، لأنه صدقهم، وظن أنهم كانوا يعبرون عنه ويمثلونه؟

أترك تعليقاً

التعليقات