شُبَّابَة
 

عبده سعيد قاسم

(ما أجمل الصبح في ريف اليمن حين يطلع) مخضباً برحيق حرفك المتصاعد من روحك المتقدة عشقاً للتراب، وفرحاً في عيون القرى الواقفة على نواصي الجبال بانتظار الغيوم المحملة ببشارات المواسم الجزيلة ودنو مواقيت الصراب واحتفاء البيادر بثمار الحياة.. رحلت يا سيد الحرف والموقف، لكنك لست ممن يستكينون للموت، فمازلت وستبقى بما اجترحته ذهنيتك الشاعرية الفذة من ملاحم أدبية وغنائية، تحدو سيرورة الحياة، وتهندس شغف الفلاحين والتحامهم الأسطوري المقدس بتراب الحقول، وستظل جذوة تذكي نشوة السعادة والغبطة في أفئدتهم الراقصة على إيقاع موسيقى الماء في شرايين السواقي وسيمفونيات الرياح حين تلامس أوراق الزرع لتصير خضرة الوديان أغنية عشق وعبقريات فرح (ومثل الموج تسرح وترجع).
 إن الذين يمنحون الحياة قلوبهم، وينذرون أعمارهم للأوطان، يرحلون عن الدنيا نعم، ولكنهم لايموتون، وأنت منهم رحلت ولم تمت مادامت شلالات وادي بنا تردد صدى أغنيتك الخالدة (أنا يا بوي أنا، ورد على الماء نزل وادي بنا, ومر جنبي, وبأعيانه رنا نحوي وصوب سهامه واعتنى).. إنك هناك إلياذة عشق محفوظة في حنايا الصبايا وروح نبي ترافقهن ذهاباً وإياباً، وتنفخ فيهن من روح الهوى والعشق ما يجعل مسافات البعد تطوي ذاتها، ويستقيل الزمن، وتحث مواعيد اللقاء خطاها بسرعة الريح.
 أيها البطل الواقف فوق كل جبال هذه الأرض، عند وكر النسر تزرع قبلاً في صميم الصخر، يا سيد الضوء والماء وحادي الأشواق في حنايا المهاجر البعيد المعذب وهو ييمئ بأهداب قلبه النازف المضنى من وراء البحار ومن كل مواطن الاغتراب (راجع أنا يا بلادي يا ديار الهنا/ يا جنتي يا ملاذي يا أمي الغالية).
 يا مسيح الأغاني الذي أحياها بعد أن لبثت سنين في قبور النسيان، وعادت الدودحية بلونها الفاتن الشهي، وتعملقت غنائية الأطفال في الأعياد لتصير بطلاً واقفاً عند وكر النسر، وتصاعدت رائحة البن لتصير غيمة تهمي ندى على قلوب العشاق بصوت الراحل الخالد (علي الآنسي).

أترك تعليقاً

التعليقات