سامي عطا

سامي عطا / لا ميديا -
صادفت رسالة مصورة منشورة على إحدى منصات التواصل الاجتماعي أرسلها أحد السودانيين المناوئين لقوات الدعم السريع إلى ضابط في مليشيات شرعية الفنادق يتساءل بعتاب عن صحة الأخبار المتواترة التي تقول بأن هناك مرتزقة من مناطق اليمن المحتلة يقاتلون في صفوف قوات الدعم السريع «الجنجويد»! طبعاً مليشيات الجنجويد أرسلها نظام البشير للقتال كمرتزقة مع تحالف العدوان ضد اليمن. هؤلاء هم قوات الدعم السريع اليوم بقيادة حميدتي، ومنذ أشهر انقلبوا على جيش البشير (الذي صار سجيناً)، ولئن اعتمد تحالف دول العدوان على اليمن في حربه على مرتزقة محليين وإقليميين ومنها قوات الجنجويد السودانية، فلا غرابة أن يستنجد ممولو هذه الجماعات بالحرب في السودان، وهناك مثل يقول: «صانع السم لا بد أن يذوقه»، وكما قالت العرب في مأثورها أيضاً: «ما تموت العرب إلّا متوافية».
أن تقاتل مع مصالح غيرك نظير أجر تأخذه وهذا الطرف المُستخدم (المُمول) يتعامل معك كمرتزق، فإنك بالتأكيد تغدو عبئاً عليه في المستقبل؛ ألم تستخدم أمريكا وأنظمة البترودولار المجاهدين الأفغان العرب كمرتزقة وما إن استنفدت حاجتها إليهم تحولوا إلى «إرهابيين» بعد أن كانت تصفهم بـ»الثوار» عندما كانوا يقاتلون السوفييت في سبيل مصالحها؟!
وكأني أرى بالعين المجردة ما يعتمل في هذا البلد! جميع المليشيات التي انضوت تحت راية تحالف دول العدوان ضد اليمن وتعاملت معهم كمرتزقة عملاء، فهؤلاء سيكونون عبئاً على الممولين لا محالة، وفي أول اصطدام معهم سيتحولون في نظرهم إلى «إرهابيين»، التعريف الأثير لدى أمريكا وأنظمة البترودولار، وهو تعريف بالقتل.
الإنسان لدى قوى الهيمنة وسيلة وليس غاية، قابل للاستخدام لمرة واحدة ويتم رميه في المقبرة، هذا إذا بقي له أثر بعد قصف طيران الدرون كما حدث في العديد من القصص، ولعل قصة أنور العولقي أقرب مثال يمكن الاستشهاد به.
واحدة من استراتيجيات أمريكا واللوبي الصهيوني والمتصهينين العرب الملتحقين والتابعين لهم أن تظل المجتمعات العربية في حالة انقسام ونزاع وصراع دائم، فهذا الوضع يضمن ديمومة بقاء هذه الكيانات، وعلى رأسها الكيان الصهيوني الأهم لبقاء وديمومة مصالحها، ومن خلالها تقدم لهم أفضلية زائفة في عيون رعاياها، باعتبار أن الأنظمة الجمهورية تعيش أزمة وفوضى وحروباً دائمة، هذه الاستراتيجية يتم إدارتها ضمن تكتيكات إشعال الحروب والانقسامات وتوظيف جزء من ريع النفط، بعضه يصرف رشوة إلى رعاياهم، وبعضه الآخر يصرف إما رشوة إلى نخب خارجية مثقفين وإعلاميين ومفكرين وفنانين أو في نشأة مليشيات مرتزقة تزعزع الأوضاع في الدول المفترضة بأنها عدوة لها ومصالحها، وأغلبها أنظمة جمهورية وليست نفطية ولا خطابها ثورياً أو قومياً شعبوياً.
لقد درجت أنظمة البترودولار الوراثية على زعزعة الأنظمة الجمهورية في المنطقة لحساب المتروبول العالمي المسيطر عليه من قبل اللوبي الصهيوني، فلقد ذهبت أنظمة البترودولار إلى تصدير أزماتها البينية إلى داخل الأنظمة الجمهورية من خلال خلق اصطفافات مع هذا النظام أو ذاك من أنظمة البترودولار، وأضحت هذه الأزمة العميقة بشكل واضح في العقد الأخير منذ انتفاضة ما عرف بالربيع العربي، حيث برزت الاصطفافات بشكل واضح من خلال المليشيات والأحزاب، فحركة الإخوان القطرية والليبراليون اصطفوا مع الإمارات وشيوخ قبائل، وقوى تقليدية اصطفت منذ وقت مبكر مع المملكة بحكم كشوفات اللجنة الخاصة.
ورغم خلافات المصالح بين أنظمة البترودولار البينية إلّا أن هناك جامعاً مشتركاً يوحدها، يتمثل بإجماعها على زعزعة الاستقرار في الأنظمة الجمهورية وتصفية حساباتها البينية يعزز أفضلية الأنظمة الوراثية في وعي شعوبها. ومع الأسف فإن هذا الصراع جر معظم فرقاء الصراع داخل الأنظمة الجمهورية إلى التطبيع مع الكيان، وأبرز مثال السودان، فكلا الطرفين المتحاربين يتوهم أن التطبيع وكسب رضى اللوبي الصهيوني يمكنه من كسب المعركة على الآخر، فصارا يتسابقان على هذا الوهم!!

أترك تعليقاً

التعليقات