سامي عطا

د. سامي عطا / لا ميديا -
بعض الناس لا يعرف ماذا يعني توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي الفلسطينية التي دأب عليها الكيان الصهيوني الغاصب، إذ تشكل جوهر وجوده وبقائه، فمن خلالها يشجع مزيداً من اليهود على القدوم إلى "إسرائيل"، حيث تنشط جمعيات في تمويل مشاريع سكنية تقدم كمغريات لليهود في مختلف دول العالم الغربي من أجل الهجرة إلى الأرض المحتلة، وبذلك يحقق الكيان نمواً سكانياً.
في حين معادلة رعب المقاومة تحد من النشاط الاستيطاني، فاليهودي القادم من أمريكا أو دول أوروبا يغريه المسكن المجاني وتوفير فرصة عمل داخل الكيان، لكن ما إن يجد نفسه أمام معادلة من هذا النوع تضعه أمام خيارالحصول على مسكن ومغريات مؤقتة مرهونة بفقدانه حياته في أية لحظة بصواريخ المقاومة، فإنه يختار الحياة، وبالتالي يمتنع عن الذهاب أو المغادرة بعد أن يجد نفسه في وسط اللهب، فمعظم المستوطنين قادمون إلى الأراضي المحتلة وهم يحملون جنسيات البلدان القادمين منها، فيفضل العودة إلى بلده الأصلي.
ولذا فإن التطبيع يوفر لهذا الكيان الأمان المفقود لمواصلة الاستيطان وليس للحد منه. فالأنظمة الزاحفة إلى التطبيع تقدم الشعب الفلسطيني وقضيته قرباناً من أجل إنقاذ الكيان، وفي الوقت نفسه إنقاذ نفسها، لأنها أنظمة وظيفية أنشئت من قبل الاستعمار ومن أجل خدمة مصالحه الحيوية في المنطقة المتمثلة بالمخزون النفطي والغازي، فلا نمو اقتصادي في العالم الرأسمالي اليوم دون حماية هذا المخزون وتنمية ضخ مخزوناته.
ولهذا كل أنظمة البترودولار في المنطقة صناعة استعمارية استدعى قيامها وجود النفط والغاز، وحتى الكيان الصهيوني صناعة استعمارية وطرحته الدول الاستعمارية خط دفاع أخيراً في حال حدثت داخل أنظمة البترودولار أي تغييرات دراماتيكية كما حدث في العراق وليبيا وإيران أخيراً.
ولقد ظلت أنظمة البترودولار في مرحلة المد القومي والثوري تهادن وتخفي علاقتها بالكيان الصهيوني الغاصب، لا، بل كانت في كثير من الحالات تتآمر من خلف الكواليس على حركات الشعوب وتمول الثورات المضادة خدمةً للناهب الدولي الذي أنشأها في مرحلته الاستعمارية، ولعلنا نتذكر رسالة الملك فيصل التي وجهها للرئيس الأمريكي جونسون قبل حرب 5 حزيران 1967، الذي يوضح له فائدة شن "إسرائيل" حرباً على مصر من أجل كسر مشروع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
ولم يك تحشيد وتفويج المجاهدين إلى أفغانستان إلاّ حلقة ضمن حلقات الترابط بين كيانات المنطقة، فلقد تركوا فلسطين وقضية الشعب الفلسطيني ووجهوا المجاهدين للجهاد في أفغانستان، ومن مفارقاتها أن يتجه عبدالله عزام الفلسطيني الأب الروحي للمجاهدين العرب الأفغان من لبنان صوب الجهاد في أفغانستان، بينما العدو الحقيقي الأقرب له على مرمى حجر، لا، بل كان حينها في وسط بيروت.
لقد أظهرت حرب أفغانستان ترابط هذه الكيانات التابعة في المنطقة وعلاقاتها الحميمة وصبت سياساتها على حماية هذا الكيان الغاصب وتعاونها معه من وراء الكواليس، لأنها أنظمة أدركت أن وجودها مرهون بوجود هذا الكيان والعكس صحيح، فلولا وجود هذا الكيان الغاصب في جسد هذه الأمة لكانت أنظمة البترودولار في خبر كان. وفي الوقت نفسه يستمد الكيان الغاصب بقاءه وديمومته من وجود أنظمة البترودولار التابعة.

أترك تعليقاً

التعليقات