هكذا تم عبور المضيق
 

عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -
فشلت عملية عبور المضيق، بحسب ما تمناها الأستاذ المفكر في كتابه، وتمناه أيضاً مريدوه ورفاقه وأصدقاؤه وجمهوره وجموع المشاركين في الحوار الوطني اليمني ممن كان لهم رؤى مقاربة لرؤيته.
تلاشى حلم العبور من دولة الغلبة إلى دولة المواطنة، ومن السلطة العصبوية المشيخية العسقبلية الكمبرادورية إلى الدولة المدنية الحديثة، دولة العدالة والمساواة والقانون، الدولة الوطنية الاجتماعية العادلة.
كانت الفكرة بحسب التشبيه الجغرافي تعني الانتقال من شاطئ اليمن القديم، اليمن القروسطي، يمن الغلبة والعصبيات والتأخر الاجتماعي، وعبور المضيق في فترة انتقالية عصيبة ضرورية مليئة بالتعقيدات والصعوبات، والوصول إلى الضفة الأخرى والشاطئ المقابل، شاطئ الدولة الوطنية، دولة المواطنة المتساوية والقانون والعدالة، دولة العقد الاجتماعي، عبر رافعة الحوار الوطني وغيره من أدوات التغيير السلمي... لكن هذا الحلم سقط في أتون أحداث التآمر الرجعي الإمبريالي، والحرب العدوانية الظالمة، والتآمر الرجعي المحلي، إذ لم يكن شريكا الحوار الوطني من القوى الرجعية المكونة للنظام العسقبلي الحاكم، حزبي السلطة (المؤتمر والإصلاح)، قابلين بعملية التغيير السياسي، وذهبا إلى مسار الانحراف عن التوافق والإجماع في الحوار الوطني، وأخذا يفصلان قرارات وصيغ ومشاريع تقسيم إداري بحسب مصالحهما ومصالح داعميهما من الخلف من القوى الاستعمارية والرجعية الخليجية.
جرت الرياح على عكس ما تشتهي السفن (بكسر الفاء) أو السفينة، سفينة الوطن. جنحت السفينة بعد انحرافها عن المسار وحطت على شاطئ "الصوملة"، تماماً كما حذر واشتهى انتقاماً وعمل بدأب وحقد الجنرال الحاكم صالح الذي أسقطته ثورة شياط/ فبراير.
كانت هناك سلسلة من الأخطاء وسوء التقدير وسوء التصرف ساهمت بها القوى الوطنية السياسية داخل تكتل اللقاء المشترك (الاشتراكي والناصري تحديداً) كان بإمكان تلافيها تجنيب البلد هاوية السقوط أو على الأقل التخفيف من حدة ومسافة هذا السقوط، لما لتلك القوى من تأثير على الرئيس الجديد هادي والقيادة الجديدة في ذلك الوقت.
لماذا نقول قيادة الحزب والأحزاب الوطنية في المشترك ونستثني حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)؟! لأن الإصلاح كان جزءاً من النظام العسقبلي الحاشدي السابق وجناحاً من أجنحة الحكم ووجوده داخل المشترك وجوداً دخيلاً طارئاً كان لأغراض نفعية ضيقة في الاحتواء والسيطرة وأطماع الوثوب إلى السلطة. "الإصلاح" هو أحد جناحي الحكم التصق بالمعارضة في المشترك أولاً، ثم ركب موجة الثورة الشعبية لغرض الانقلاب على الجناح الآخر والانفراد بالحكم، ولم تكن له أبداً أية دوافع ثورية وطنية وديمقراطية وإنسانية، و"فاقد الشيء لا يعطيه"، كما يقول المثل!
كان ارتداؤه لثوب المدنية مطلع العقد الأول هروباً من تهمة الإرهاب، ومظهراً جديداً مخادعاً يتوسل من خلاله التغرير بأوسع قاعدة جماهيرية لكي يمتطيها عبر الصندوق وثوباً إلى السلطة.
إذن، نحن لا نلومه، لأنه كان من أجنحة الحكم، ركب موجة الثورة لغرض سرقة فوائدها وآثارها فيما بعد، وما ركوبه لموجتها إلا اختطاف لها.
نحن لا نلومه، وإنما نلوم القوى السياسية الوطنية وقياداتها التي كانت تقول إن لديها حلم العبور بالمجتمع إلى فضاء الدولة المدنية الحديثة، فضاء الحرية والمساواة والعدالة والتقدم، ومع هذا هي –للأسف- قوى سياسية وطنية كان لها نصيب من مسؤولية فقدان نخبة البلد البوصلة في أحلك الظروف، بوصلة الديمقراطية والتسامح والشراكة، عندما غلبت الانفعال والعاطفة على العقل والحكمة، وتغلبت عليها حساسيات المراحل السابقة ورواسبها وخطابها السابق ومعاييرها السابقة، عندما ظلت أسيرة لرواسب عهد الستينيات والسبعينيات رغم كل الادعاءات عن الدمقرطة والتسامح والإنسانية والحكمة!
تغلبت عليها الرواسب عندما طبقت جزئياً هذا الكلام في تعاملها مع قوى سياسية كانت عدوة لها وخصماً لدوداً لها، قوى متنفذة هي جزء من النظام القمعي الفاسد ولم تطبقه على قوى أخرى لأسباب فكرية سياسية سابقة وعصبوية ضيقة ورواسبية عموماً من الزمن الستيني الغابر.
كان لها نصيب من المسؤولية عن المآلات الكارثية عندما وقعت أسيرة في شرك المصالح النفعية السلطوية الضيقة مع القوى الحاكمة العسقبلية المتنفذة في الدولة التي استقطبتها للحكم والمحاصصة في حكومة ما تسمى "الوفاق الوطني"، وفرحت بفتات السلطة وجزء من كعكتها على حساب الأهداف والمبادئ الثورية. وحقيقة الأمر هي أن بعضاً من هذه القيادات اتسمت –للأسف- بالسلوك الانتهازي الوصولي النفعي الرخيص، بسبب خلفياتها الطبقية والتربوية والثقافية.
كان لها نصيب عندما وقعت في شرك الحسابات المغرورة الخاطئة للقوى الداعمة في الإقليم لحكومة المحاصصة وقواها المتنفذة من قطبي النظام السابق.
كان لها نصيب عندما تغلبت عليها هي أيضاً ذهنية الإقصاء تجاه القوى الصاعدة الجديدة التي شكلت الجسم الأكبر للثورة الشعبية، الإقصاء من موقع استعلائي احتقاري مديني ليبرالي زائف تجاه قوة جديدة نظرت إليها على أنها من مخلفات الماضي الإقطاعي القروسطي، ولم تبذل جهداً ولو يسيراً لفهم طبيعتها وكنهها وموقعها الحقيقي في خارطة الصراع والمشهد الاجتماعي السياسي كحركة اجتماعية سياسية جديدة هي جزء صميم من الثورة الشعبية، بل هي الحركة الرائدة في التمرد على النظام العسقبلي الظالم والمستبد والفاسد الخاضع للوصاية السعودية والنفوذ الأمريكي الإمبريالي منذ العام 2004.
لها نصيب لأنها راحت تتعامل بحسن نية مع قوى النظام السابق وبررت لنفسها التمادي أكثر في الارتباط بها والتبعية لها تحت عناوين الاستعصاء السياسي وتجنيب البلاد ويلات الحرب الأهلية، وراحت تتعامل مع قوى الإقليم الرجعية الخليجية والإمبريالية الأطلسية بحسن نية على أساس أنها "مجتمع دولي" ينشد الدمقرطة والتغيير السلمي للبلد!! مصدقين ادعاءات القيادات الأمريكية الإمبريالية عن دمقرطة "الشرق الأوسط" ورياح التغيير، مصدقين أكاذيب السياسة الأمريكية في المنطقة، وهي السياسة التي كانت ولم تزل إلى الآن تدعم الأنظمة الفاشية العميلة التابعة التي تخدم مصالحها الاستعمارية غير المشروعة، ونسوا أو تغافلوا عن حقيقة أن هذه القوى الخارجية تريد الإصلاح البسيط الهامشي وليس الثورة، وأنها لن تعجبها حتماً خسارة قوى النظام السابق الحليفة لها للنفوذ في البلد نتيجة الثورة الشعبية ومفاجآتها التغييرية الصادمة.
لم يعجبهم صعود وظهور قوة سياسية جديدة تذهب بالبلد خارج الوصاية السعودية والنفوذ الأمريكي ـ البريطاني. لم يعجبهم إزاحة أو تهميش أتباعهم وأذنابهم وسلطتهم المشيخية العسقبلية الكمبرادورية، فراحوا يجرون من خلفهم الشركاء الجدد الوطنيين في الحكومة، في مسار الانقلاب على مخرجات "الحوار الوطني"، وفي مسار محاولة إعادة إنتاج النظام السابق، وفي اتجاه حرف مسار "الحوار الوطني" الذي كان بمثابة جبل الثورة، لكي يتمخض عن فأر محاصصة السلطة والثروة، وفأر التقسيم الإداري السيئ والظالم والمنافي للمعايير الوطنية والعلمية والديمقراطية، والمنافية لمعيار التوزيع العادل للثروة.
وكانت المحطة الأبرز هنا هي في تفصيل صيغة الأقاليم الستة الرديئة والمشبوهة على ما تشتهي بعض أطراف القوى الحاكمة السابقة، وعلى ما تشتهيه القوى الرجعية والاستعمارية الداعمة لها من الخلف. وهكذا حدث الانحراف عن المسار الصحيح، وتعمق مسار النكوص بقبولهم منطق الوصاية الدولية عبر الفصل السابع، وتعمق بقبولهم شن حروب اجتثاثية جديدة في صعدة، وتعمق باستقوائهم بالرجعية الخليجية وبنزعتهم التخوينية والتكفيرية للخصوم من القوى الجديدة الصاعدة: الحراك والشباب وجبهة إنقاذ الثورة وأنصار الله.
انحرفت السفينة عن المسار المأمول لعبور المضيق عندما ارتكبوا هذه الأخطاء، وكانت قاصمة ظهر البعير هي اتباعهم سياسات اقتصادية مدمرة كالجرعة، وفشلهم في معالجة الأوضاع ومكافحة الفساد، وذهابهم باتجاه قمع الحراك الجنوبي السلمي، ثم جنحت السفينة عندما استبدت بهم لغة العنف ضد الخصوم وحدث ما حدث.

ركوب الموجة الثانية وتكرار المؤامرة والخطأ
استُغل التعنت والغرور والنزعة الاستحواذية الإقصائية للحكام الجدد من قبل أتباع الجنرال الحاكم السابق الذين شكلوا أيضاً جناحاً مؤثراً في الحكومة ومن قبل قوى الرجعية الخليجية ومن ورائها الإمبرياليين، وأرادوا الاتكاء على القوى الجديدة في تحقيق رغبة الانتقام وشهوة الانفراد بالحكم، وركبوا موجة ثو رة الواحد والعشرين من أيلول/ سبتمبر التي أسقطت الحكومة التي مثلت جناحي النظام السابق، وأسقطت معها إلى الأبد النظام العسقبلي الحاشدي بعد ستة وثلاثين عاماً من الحكم. ركبوا موجة أيلول ظناً منهم أنها خطوة أولى نحو استعادة الانفراد بالحكم.

هل كان انقلاباً؟!
بدا للكثيرين آنذاك أن ركوب تيار صالح لموجة ثورة 21 أيلول/ سبتمبر ودعمه لها كما لو أنها انقلاب مدبر على ثورة شباط/ فبراير، انقلاب بتقنية جديدة ومن نوع جديد، انقلاب بنكهة شعبية متبل بالشعارات البراقة، لكن الأمر من وجهة نظرنا ليس كذلك.
21 أيلول/ سبتمبر كانت ثورة شعبية أو "جزءاً مفصلياً من ثورة شعبية أشمل عمت كل أرجاء البلاد على مدى سبع سنوات من عام 2007 إلى عام 2014 أو محطة ثالثة وانتفاضة ثالثة تصحيحية للمسار في هذه الثورة الشعبية الأشمل"، لكنها تعرضت هي أيضاً لركوب الموجة والاستغلال ومحاولات الالتفاف عليها، فثبتت وفضحت ذلك، وكشفت أطماع راكبي الموجة الراغبين في الانتقام، أي جناح صالح.

أحداث 2 كانون الأول/ ديسمبر الفاشلة
وقعت قوى الـ21 من أيلول/ سبتمبر الثورية في الخطأ ذاته عندما قبلت الارتباط بتيار صالح وجناحه في المؤتمر، ولم يتم تدارك هذا الخطأ الفادح إلا بعد ثلاث سنوات، لتثبت الأيام أن الارتباط بقوى الحكم السابقة هو أكبر خطايا الثورة وأكبر تهديد مستقبلي لها.
مهما كانت المبررات والادعاءات، علينا أن نميز دائماً عندما نكون بصدد ثورة شعبية في الزمن الراهن، نميز بين الثورة الشعبية وراكبي موجتها من أركان النظام ومخترقيها من أصحاب الفوضى الخلاقة وأيضاً القوى المضادة لها من أتباع الثورة المضادة.
بالنسبة لعابري المضيق من القوى الساقطة في حكومة "الوفاق" كان الجنوح بالسفينة إلى شاطئ الصوملة هو بقبول تدخل قوى العدوان الرجعي الإمبريالي عسكرياً في الشأن الداخلي والاستنجاد بحلفائهم وداعميهم من الخلف ساعة خسارتهم للحكم. كانت لحظة جنون مدمرة وفعلاً خيانياً صريحاً مباشراً، وبفعلهم الأحمق هذا لم يقلوا حماقة وجنوناً عن فعل الجنرال صالح تطبيقاً لشعار "أنا ومن بعدي الطوفان"، وما الغرابة وهم جميعا من الطينة ذاتها، وهم كانوا جميعاً جلساء المقيل "الديوان" في صنعاء؟!
وتمر السنوات، واستمرأ أرباب السفينة العيش وسط الحطام على شاطئ المهالك، وإلى الآن لم يعملوا على إصلاحها وإعادة تصويب مسارها كي تعاود عبور المضيق، بحسب ما اشتهى الأستاذ المفكر في كتابه الشهير، وبحسب ما اشتهى الفبرايريون الحالمون.
وقعت قيادات القوى السياسية الوطنية في سلسلة من الأخطاء والمواقف المستهجنة كان لها تأثير كارثي على مسار العمل السياسي وعلى مسار الأوضاع في البلد، وهبت على البلد رياح الهجوم الرجعي الخليجي الإمبريالي الأطلسي الضاري.
أعطى أرباب الطغيان العالمي وأذنابهم في الإقليم والداخل إشارة لعبور من نوع آخر، فرأينا سفناً من نوع آخر، وعبوراً للمضيق من نوع آخر، عبوراً جغرافياً وجيوسياسياً حقيقياً وليس عبوراً مجازياً، بمعنى الانتقال إلى شاطئ الدولة المدنية، عبوراً إلى جغرافيا أرض واعدة بالثروات والميزات الجيوسياسية الفريدة، أُريد لها أن تقع تحت الاحتلال المباشر من جديد، والوصاية المباشرة من جديد من قبل قوى الطغيان العالمي.
عبوراً لقراصنة الإمبريالية والرجعية الخليجية لمضيق باب المندب، عبور السفن الأمريكية والبريطانية و"الإسرائيلية" والسعودية وصولاً إلى عدن والمكلا، والسفن الإماراتية وصولاً إلى مياه الحديدة وميناء المخا. هكذا كان "عبوراً المضيق"، عبوراً من نوع آخر، عبور إلى الخلف، إلى الوراء، عودة إلى الماضي الاستعماري البريطاني من جديد، عودة إلى بريطانيا محمولة على أكتاف بناتها هذه المرة (أمريكا والسعودية والإمارات و"إسرائيل").
عبرت سفن الغزاة المضيق، مضيق باب المندب، ودخلنا في ظلمة الطغيان العالمي الإمبريالي الصهيوني الرجعي، ظلمة الاستعمار والاحتلال المباشر وفقدان السيادة والأرض والكرامة والثروة.
عبرنا المضيق من خليج عدن، عدن الثورة الأكتوبرية، إلى البحر الأحمر الذي أضحى "بحر داوود" الصهيوسعوإماراتي، بمساعدة من صديق عبقري في ممارسة الخيانة هم "أولاد الكامب" في مصر.
عبرنا مضيقاً كان أسوأ من النفق المظلم الذي خرج منه العليان (علي وعلي) في جولد مور عدن نحو كارثة الوحدة الاندماجية، وحدة الضم والإلحاق، وأسوأ من نفق عهد صالح المظلم الذي اشتكى منه الشيخ عبدالله بن حسين ذات يوم (شاهد من أهلها). عبرنا مضيقاً حملت به سفينتنا عرش بلقيس إلى ملك اليهود، بل إننا عبرنا مضائق ثلاثة وليس مضيقاً واحداً، في رحلة عبور مشؤومة لنجد أنفسنا في لجة "بحر الظلمات" عبيداً خانعين نحتفي وننعم بأواخر أيام إمبراطورية أطلانطس الجديدة، "القارة الغارقة الجديدة".
عبرنا المضيق وحملنا نفائس البلاد إلى بلاط الملكة والملك والأمير والحاخامات وقياصرة الأطلسي في البيت الأبيض والبنتاجون، وقدمنا لهم عدن وموانئ وجزر وسواحل وهضاب وصحارى البلاد وكنوزها ومعادنها وثرواتها وبشرها (العمال العبيد) على طبق من فضة.

عبرنا المضيق!
اتجهنا غرباً وسلكنا الغربة والاغتراب عن حاضرنا وماضينا الثوري وقيمنا ومبادئنا وأصالتنا.
اتجهنا غرباً وارتمينا في مغرب الأرض خلف الشمس بخمس. عدنا بهم إلينا، وقلنا مرحباً بقراصنة البحار وأحفاد البرابرة الجرمان والفايكنج، مرحباً بذئاب مملكة الظلمة في أرض أنوار المشرق، ومرحباً بقوى الظلام وخليج البداوة وأوحال النفط!
عبرنا الباب إلى الانتداب ثانية، لنندب وضعنا العاثر بعد ذلك!
عبرنا ممراً ظننا أنه ممر العودة الآمنة إلى المنزل في الغابة ذات مساء، ولكن مع "ليلى الشرعية" الممسكة بسلة أزهار الربيع ومن خلفها ذئب التحالف الرجعي الإمبريالي!
عبرنا المضيق مع "العجوز" تماماً كما هو الحال في رواية "العجوز والبحر" حاملين إلى الشاطئ هيكلاً عظمياً هو الوطن المحتل كسمكة كبيرة مربوطة إلى قارب عروبة الأعراب، وأمنها القومي قضمته أسماك القرش!
عبرنا من بوابة "الفصل السابع"، ثم انفصلنا عن أرضنا وتاريخنا ومقدراتنا ليصبح هذا الفصل هو الأخير في رواية السقوط!
لم يكن هناك مجتمع دولي يا إخوتي، وإنما تحالف دولي استعماري انقض على الوطن، متدخلاً بطلب من الحكومة التي سمت نفسها "الشرعية"، تماماً كما نهشت أسماك القرش سمكة العجوز الكبيرة المربوطة على القارب لتصبح لحظة وصولها إلى الشاطئ مجرد هيكل عظمي!
عبرنا نحن أبطال العبور التغييري السلمي، عبرنا مضيق النصر والحرية، خضنا معركة العبور وحرب العبور السلمية التغييرية ثم العسكرية بعواصفها الخليجية الأطلسية، وتحزمنا ورقصنا واستعدنا الأمل، وكان الأمل هو تاج الملكة وقاعدتها العسكرية، وكان "اليمن السعيد" هو منجم الخام ومزرعة الملوك وحديقتهم الخلفية وبقرتهم الحلوب الجديدة!
اليمن المنهوب السليب المتشظي إلى كانتونات، المغتصب الأرض والكرامة والقرار... اليمن المفقر، الممنوع من التنمية... اليمن المهجر أبناؤه والمحروم من نعمة الدولة الوطنية، المحروم من "الوطن"، الممنوع من الوصول إلى "وطن"، بحسب تعبير المفكر الأستاذ آنذاك!
عبرنا المضيق، لنجد أنفسنا مطوقين بعد سنوات سبع عجاف بـ"إسرائيل" الأولى والثانية حتى العاشرة، عشر ممالك لـ"إسرائيل" تطوقنا من كل جانب براً وبحراً وجواً، وبدلاً من "الكتابة بالسيف" مع القائد المناضل عبدالفتاح إسماعيل رحنا نكتب بسيوف "داعش" قصة "موت وطن"، وجلس بعض قادتنا خلف مكاتب فاخرة يكتبون بمداد سيدة البحار، مداد صاحبة الجلالة الذي لا ينفد، يكتبون قصيدة "الأرض الخراب"!

أترك تعليقاً

التعليقات