عن أي جمهورية ووطنية تتكلمون ؟!
 

عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -
على مدى أربعة عقود حكم حزبان رجعيان شمال البلاد، وكانا غارقين في التبعية والعمالة والفساد والخيانة، حزبان مثلا مصالح قوى "الثورة المضادة"، ونقصد بها الثورة المضادة على ثورة الستينيات (سبتمبر، وأكتوبر)، والتي خطط لها في أواخر السبعينيات السعوديون وأذنابهم هؤلاء مع الأمريكان والبريطانيين للقضاء على النظامين الوطنيين الثوريين التقدميين في الشمال والجنوب، ثم جاء هذان الحزبان إلى السلطة بمباركة سعودية وضوء أخضر أمريكي إمبريالي بعد استشهاد الحمدي (العام 1977) والتخلص من القيادة الثورية المبدئية للحزب الاشتراكي في الجنوب (تحديداً في العام 1980).
تأسس المؤتمر الشعبي العام سنة 1984، ونشأت جبهة إسلامية لمواجهة ما سموه بـ"المد الشيوعي القادم من الجنوب". كان مركز نشاطها في العدين، ثم بعد ذلك تأسس حزب سياسي إسلامي فاشي ديني أصولي متطرف إخواني بقيادة رأس مشيخة حاشد الشيخ الأحمر في العام 1990.
مارس هذان التنظيمان الفاشيان (المؤتمر والإصلاح) طيلة فترة وجودهما في الحكم العنف والإرهاب والفساد والنهب والتبعية، وباعا الأرض اليمنية بثمن بخس، وقاما بتصفية كل مكاسب الثورة السبتمبرية في الشمال والثورة الأكتوبرية في الجنوب، كما قاما بتدمير الدولة الوطنية في الجنوب، بل ومهاجمة الجنوب وتدميره في حرب بربرية عدوانية ظالمة تحت غطاء مخادع من شعارات الوحدة البراقة التي كانت تخفي أطماعاً سلطوية ضيقة لأوليجارشية عسقبلية فاسدة لديها رغبة محمومة في توسيع جغرافيا النهب (نهب الثروة) باتجاه الجنوب والشرق، حيث يتركز جزء كبير من الثروة النفطية والغازية!
هذان الحزبان كانت سياستهما الظالمة والعدوانية بحق الجنوب هي السبب الرئيس في كفر الجنوبيين بالوحدة، ولم يكن أعضاء هذين الحزبين يؤمنون بالوحدة على الإطلاق، في الوقت الذي كان فيه الجنوبيون متحمسين للوحدة انطلاقاً من مبادئ رومانسية ثورية وعقيدة وطنية ديمقراطية، وفي أحسن الأحوال كان لهما (أي المؤتمر والإصلاح) ذلك المنظور الفاشي الهمجي غير الوطني للوحدة باعتبارها غزواً عسقبليا وضماً وإلحاقاً بالقوة الغاشمة، بعيدا عن الوسائل الديمقراطية الثورية!
ويدور الزمن بعد ذلك ويأخذ مسار الارتداد دورته الكاملة، يصل إلى نهاياته المتوقعة، يعود الوضع إلى المربع ما تحت الصفر، وها هم يدفعون الآن ثمن أخطاء الماضي التي ارتكبوها، ثمن الغباء السياسي والغرور والصلف الذي كانوا عليه في التسعينيات وما قبلها وبعدها، وندفع نحن معهم -للأسف الشديد- كشعب يمني مغلوب على أمره أثماناً مضاعفة. وأولئك الظلمة المتبجحون تجدهم الآن منبوذين في الجنوب وفي الشمال، يذوقون مرارة الكأس نفسها التي أذاقوها غيرهم!
لكننا جراء ما صنعوه وما ارتكبوه من جرائم وانتهاكات وأخطاء فادحة بحق الوطن والشعب اليمني خسرنا الكثير، وأصبح الحال الآن أسوأ مع وجود المرتزقة والمحتلين والإرهابيين، وضاعت جهود عقود من الزمن كان فيها الحزب الاشتراكي يحث الجماهير على السير في طريق الوحدة.
لكن الوحدة التي أرادها الحزب ووضع لها مخططا أولياً في الأذهان في السبعينيات والثمانينيات وحلمت بها جماهيره الشعبية وتغنى بها كوادره لم تكن هي التي نشأت في التسعينيات، تلك التي سلقت على عجل وبدون دراسة، يحكمها الاندفاع العاطفي أو ربما الهروب من شيء ما، وكانت مشروعا غير ذي رؤية واضحة. ثم جاءت الطامة بعد ذلك حين خربها وعبث بها هؤلاء الجهلة العسقبليون الفاشست!
هؤلاء من دفعوا بفاشيتهم وهمجيتهم وظلمهم الجنوبيين إلى الكفر بالوحدة، ثم الكفر بالوطنية بعد ذلك!
دفعوا بهم للاحتماء بالمستعمر البريطاني الأمريكي وأذنابه الخليجيين، بسبب ظلم ذوي القربى (فاشيي المؤتمر والإصلاح وقبائلهم ومليشياتهم الأفغانية الإرهابية)، وكان حالهم كـ"المستجير من الرمضاء بالنار"!
وحولوهم أو حولوا أجزاء منهم إلى أسوأ، تحديداً ما يسمى "المجلس الانتقالي"، نعم، تحول جزء من سياسيي الجنوب إلى أسوأ من فاشيي صنعاء العسقبليين، وها هم يسيرون على درب الخيانة والعمالة نفسه الذي سار عليه المؤتمر والإصلاح لعقود من الزمن؛ ارتماء في أحضان الخليجيين والغرب!!
نتعجب هذه الأيام من عدم الاتعاظ والاستفادة من دروس وأخطاء الماضي! فبدلا من اتعاظ هذه المجاميع العسقبلية المؤتمرية الإخوانجية وسعيها إلى تأسيس أحزاب وطنية جديدة على أنقاض ماضي أحزاب الخيانة والعمالة ومعاداة مصالح الشعب ماضي النهب والفساد والتبعية لا تزال هذه المجاميع الحزبية في كلا الحزبين من فلول النظام السابق مستمرة في التبجح والغطرسة وادعاء الوطنية والجمهورية واحتكارها وتخوين الآخرين وازدرائهم والسخرية منهم!!
نقول لهؤلاء الجهلة: أين هي الوطنية في سياسات وبرامج وممارسات حزبيكم السعوديين الأمريكيين منذ النشأة، وهما حزبان لا علاقة لهما بمصالح الغالبية الشعبية الفقيرة، ولا علاقة لهما على الإطلاق بمبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر، ولا علاقة لهما بمبادئ الثورة الشعبية الراهنة، ولا علاقة لهما بالوطنية والجمهورية والديمقراطية والثورية والإنسانية؟! هذه مصطلحات كبيرة جداً على المؤتمر والإصلاح، كبيرة جداً عليهما وبعيدة جداً عنهما، ولم يكن لهما في أي فترة من فترات تاريخهما القصير أي صلة بها، كلاهما كان جزءا من النظام السابق البائد الظالم العميل الفاسد الذي ولى إلى غير رجعة مهما حلم الحالمون من هؤلاء الجهلة.
نتعجب من كلامكم، ونقول لكم: تتباكون على نظامكم السابق وتطلقون عليه صفه "الجمهورية" ظلماً وعدواناً!! الجمهورية التي ذبحتموها من الوريد إلى الوريد في أعوام 78 و94 وأجهزتم لاحقاً على ما تبقى فيها من روح!
نوجه كلامنا إلى المغرر بهم السذج الذين يحنون ويحلمون بعودة المؤتمر والإصلاح إلى الحكم في صنعاء أو حتى الذين يتباكون على فلول اندحرت وهزمت، ونسألهم: ما هي طبيعة نظامهم السابق هذا الذي تتمنون عودته؟! وهل تعلمون ما هي أثمان عودة هؤلاء الرجعيين الخونة الجهلة؟! نجيب ونقول لهم إن طبيعة النظام السابق هي أنه نظام عسكري قبلي فاشي ملكي بثوب جمهوري أو جمروكي، له جناحان (عسكر سنحان ومشائخ عمران)، فيه تسلطت القبيلة (حاشد) على الدولة، وفيه خدم عسكر القبيلة مشائخها، وتشارك معهم التجار الفجار والبيروقراطيون الفسدة، وجميعهم اشترك في نهب الثروة، وتمكين الأجانب الأوصياء والمستعمرين من نهبها، وتسببوا في إفقار الشعب بالجرع والخصخصة والفساد وتدمير مكتسبات ثورته، وجميعهم كانوا تحت إمرة السفير السعودي واللجنة الخاصة السعودية يتلقون منها أموالاً ثمناً للخيانة!
جميعهم كان يعمل تحت توجيهات السفير الأمريكي والسفير البريطاني (كلاهما كانا بمثابة المندوب السامي)، بمعنى أنه كان نظاماً خائناً عميلاً تحكمه عصابة استولت على الحكم بعد مؤامرة على الشهيد العظيم البطل الوطني النزيه المناضل محمد إبراهيم الحمدي، هذه العصابة جيء بها إلى الحكم من أجل تأدية مهمة قذرة، وهي تصفية الحزب الاشتراكي اليمني وتدمير دولته الوطنية الثورية.
عدن لم تسقط الآن، بل سقطت في العام 1994، في ذلك الصيف المشؤوم أصبحت عدن لقمة سائغة بيد الغرب، بعد أن اجتاحها الفاشيون المتأمركون، مستخدمين قطعان الإرهابيين الخونج والأفغان!
تظنون أن الناس تنسى ظلم الزمن القريب، خاصة إذا كان ظلماً فادحاً؟! نقول لكم: لو كان نظاماً وطنياً هذا الذي تتباكون عليه ما قامت عليه ثورة شعبية عارمة شارك فيها الملايين من أبناء الشعب، ولو كان نظاماً خيراً عادلاً لما ثار عليه الشعب في الجنوب والوسط والشمال!
لم يكن نظاماً وطنياً ولا شعبياً ولا جمهورياً حتى، بل هو نظام أقلية طبقية تحكمه برجوازية تابعة كمبرادورية بيروقراطية طفيلية معادية لمصالح الشعب اليمني الفقير الكادح الذي نسبته تتجاوز الـ85%.
الثورة الشعبية في الجنوب والوسط والشمال من عام 2007 إلى عام 2014، قامت من أجل إسقاط نظام هذا التحالف العسقبلي الإقطاعي البرجوازي الكمبرادوري الطفيلي العميل، والجميع يعلم أن حزب الإصلاح، وهو أحد جناحي الحكم السابق، وكان يدعي المعارضة السياسية زوراً وبهتاناً، بادر إلى ركوب موجة هذه الثورة لأغراض الخداع والتضليل والانقضاض على السلطة.
المشيخة، وهي رأس هذا الحزب، قررت إزاحة عسكري واستبداله بعسكري آخر أكثر ولاء لها وللمركز المتحكم في الرياض. ذهب هؤلاء إلى مزبلة التاريخ، وسيلفظ الشعب بقاياهم. وإن غداً لناظره قريب!

أترك تعليقاً

التعليقات