السيف أصدق إن صدق
 

عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبدالقوي العبسي / لا ميديا -
يستخدم رمز السيف كرمز للمقاومة والجهاد، وهو كما نعلم السلاح السائد في القرون الوسطى والقديمة أيضاً.
لا شك أن استخدام هذا السلاح آنذاك ينظر إليه في الوقت الحالي على أنه كان مؤشراً إلى دموية القرون الوسطى؛ لكن دموية النظام العالمي الأمريكي -وهو النظام الذي أوشك على الانتهاء أو انتهى فعليا- دمويته لا تقاس ولا نظير لها من حيث البشاعة، حيث تم قتل الملايين من الأبرياء في أرجاء عديدة من العالم بأسلحة فائقة التكنولوجيا وبأساليب حربية جديدة وتقنيات قتل جديدة وتحت عناوين حضارية براقة كالديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرهما.
رمز "الداعشية"
للأسف، هناك حنين إلى زمن السيوف نجده لدى "الدواعش" بمختلف اتجاهاتهم، وأمنيات فعلية بعودة عصر القتل بالسيف! في مؤشر إلى حالة سيكوباتية جماعية تنتشر وسط الكثير من الشباب الإسلامي بمختلف اتجاهاتهم.
السيف رمز "الداعشية" عند البعض (الليبراليين تحديدا) الذين يعتبرون السيف رمزا لـ"الإرهاب" وللبربرية القروسطية، وهو ما نجده في مطالبات بإزالة السيف من رسمة العلم السعودي، وهو رمز "إرهابي" بامتياز يكشف لنا حقيقة بني سعود ونهجهم "الداعشي" منذ بدايات الظهور في القرن الثامن عشر وحتى مجيء الأمراء الأحرار في الستينيات والذين لعبوا دورا بارزا في التهيئة لمسار الخروج البطيء من عباءة "الداعشية"، وهو مسار متعرج اصطدم بحقبة ما سمي "الإحيائية الإسلامية"، وعاش معظم مراحلها كنقيض لها، لكنه يمتد إلى ما يقارب الخمسين عاما كما قلنا من زمن الأمراء الأحرار في الستينيات وصولا إلى "حوار عبدالله" و"إصلاحات ابن سلمان".
لكن السيف عند آخرين ليس حكرا على "الداعشية" و"الدواعش"، وإنما هو رمز للمقاومة والجهاد والحماية والأمن ضد الأعداء الغزاة المتربصين بالأمة، رمز ضارب في القدم.
نحن لا نستنكر استخدام السيف كرمزية للمقاومة في معركة القدس في انتفاضة مايو/ آيار الأخيرة، بل نحبذه من هذا المنظور الذي رفعه الإسلاميون الثوريون في غزة، أي منظور مقاومة الغزاة المحتلين الإرهابيين الصهاينة الإمبرياليين، لكن عصائب السيف في أمتنا قد توزعت في الوقت الراهن في اتجاهات شتى ومتناقضة، حيث يطيش السيف وتتخذ معركته معاني بعضها صائب والآخر خاطئ فاشي دموي إرهابي واستعماري إمبريالي، وتتوارى خلفه مآرب اقتصادية غير مشروعة وأطماع غزاة محتلين. السيف في حالات كهذه يرتد إلى اتجاهات مختلفة ويكثر الطعن في نحور الأمة بدلا من الأعداء الغزاة!

"قدس" وليس "قادسية"
فالسيف ينبغي أن يكون رمزا لـ"معركة القدس" وليس "القادسية"، فالقدس معركة أصيلة وشريفة وعادلة ضد عدو حقيقي هو الصهيوإمبريالية وأذنابها، وعندما نستخدم كلمة "قدس" فإننا نقصد بها تحرير سائر فلسطين ونقصد بها القضية الفلسطينية بشمولها وكل عناصرها.. السيف هنا رمز للمقاومة.
كما هو معروف السيف رمز، وهذا الزمن ليس زمن السيف، لأن السلاح المستخدم هو تكنولوجيا فائقة روسية الصنع إيرانية التطوير، طبعا سلاح الإيمان بالقضية وعدالتها هو الأقوى.

شتان بين "قادسية سعد" و"قادسيتهم" المزعومة
أما "قادسية صدام" و"قادسية سلمان" وسيفهما الصنيد فهما تصميم وإخراج أمريكي برعاية شركة "لوكهيد مارتن" وأخواتها، وهما منتج وإخراج صهيوني أيضاً مستوحى من خرافات التراث التوراتي، حيث المعركة الكبرى ينبغي أن تكون ضد عدو شرقي شرير كافر يهدد المجتمعات "الإبراهيمية" المؤمنة، لهذا لا بد من تحالف جميع "الإبراهيميين" بمختلف أديانهم ضد هذا الشر الكافر القادم من قبل المشرق، وهو هنا عند بن دغر ومعمر وعبد ربه وابن سلمان ونتنياهو وابن زايد والسلفية والإخوان والبنتاجون والـ(سي آي إيه)، هو إيران، ولا شر إلا إيران!
و"المعركة الكبرى" كما قال "بن دغر" هي في محاربة ما سماه "المشروع الإيراني"، وهذا غريب. وأؤكد أنه استخدم في أحد تصريحاته مصطلح "المعركة الكبرى"، وأتمنى ألا يكون قد قصد باستخدامه لهذه الكلمة مدلولها التوراتي!
كلهم أجمعوا على أن البوصلة والمعركة هي "القادسية" وليست "القدس"، لكن أصحاب العقول يعلمون أن "قادسية صدام" و"قادسية سلمان" لا علاقة لهما بـ"قادسية سعد بن أبي وقاص"، وشتان ما بينهما، لأن "قادسية سعد" كانت في جوهرها معركة تحرير وطني عربي من الاحتلال الفارسي، وتأتي في إطار ثورة إسلامية كبرى حررت العرب من نير أعتى امبراطوريتين في ذلك الزمان، أي في القرن السابع الميلادي.

سيف الباب العالي (سيف الدار)
ونؤكد أيضاً أن السيف هو "سيف القدس"، والمعركة هي "معركة القدس" وليست سيف السلطنة العثمانية ومعركته غير الشرعية من أجل أمجاد إمبراطورية غابرة، ومن أجل استعادة دولة إسلامية طغيانية أسستها قبيلة بدوية بربرية هي "داعش القرنين الثالث عشر والرابع عشر"، قبيلة لا ثقافة لها ولا حضارة، قدِمت من آسيا الوسطى في أزمنة الجوع لتحكم الحواضر الإسلامية بالحديد والنار والخازوق!
هؤلاء شوهوا الإسلام ودمروا ما تبقى من حضارة الأمة وأدخلوا الأمة في ظلمات عصور الانحطاط 400 عام تقريبا، ولم نحصل من حضارتهم إلا على الخازوق والقصور والجواري والاستيلاء على الأراضي وذبح النصارى في أوروبا واحتقار العرب وتحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية وازدراء واستعباد الفلاحين البسطاء ونهب قوتهم... هذه هي الحقيقة المؤلمة التي يتعامى عنها الإخوان، أنصار إعادة السلطنة العثمانية!
ولا يشفع للعثمانيين مقاومتهم للصليبيين والمغول ما فعلوه بعد ذلك بالعرب والشعوب الأخرى وما كرسوه من نظام استبدادي دموي شوه سمعة الإسلام وقضى على ما تبقى من حضارته الذهبية.
عجيب أن يتناسى هؤلاء الإخوان "الميثاق المللي" الذي دعا إليه الكماليون سابقا والعثمانيون الجدد على السواء والذين يطالبون من خلاله بمدن الموصل وحلب وغيرها ويعتبرونها جميعا جزءا لا يتجزأ من الخارطة التركية الحديثة!
على كل أريب فطن أن يتنبه إلى أن تركيا دولة حليفة للغرب، نظامها السياسي مازال يخدم الإمبريالية والصهيونية، بل إنها هي كدولة تنحو منحى الإمبريالية الصاعدة، وهي عضو في "الناتو"، ولها علاقات جيدة مع الكيان الصهيوني، اقتصادية وعسكرية وسياسية، وهي بعيدة فعليا عن "معركة القدس" وليس لها إلا الادعاء الإعلامي الكاذب كما رأينا في انتفاضة مايو/ آيار الفلسطينية مؤخرا.
كما أن تصرفات "أردوغان الداعشي" الذي خدم "الدواعش" كثيرا ومدهم بالمال والسلاح وسمح لهم بالعبور من الحدود، ما هي إلا زحف عسكري سياسي بطيء مناور ومراوغ للسيطرة على حلب الشهباء والموصل الحدباء وكركوك وسائر المدن والبلدات والأراضي الممتدة من شمال شرق العراق إلى شمال غرب سورية، ولم يكفه سيطرة أجداده واقتطاعهم أراضي عربية كثيرة في الشمال السوري، بل تمتد طموحات "سيف أرطغرل" الذي تومئ قصص الخيال الدرامي التاريخي التركي لعودته في ثوب بطل هذه المرحلة المزعوم والمدعوم من "الناتو" والصهيوماسونية إلى ما هو أبعد بكثير، إلى سائر الولايات "العصمللية" من شام وعراق ويمن وحجاز ونجد ونيل ومغرب عربي، كلها ينبغي أن تخضع بالسيف لسلطان "الدولة العلية"، دولة الباب العالي، تحت إمرة مولانا السلطان المعظم رجب طيب أردوغان "سلطان البرين وخاقان البحرين وملك ملوك الأرض".

أترك تعليقاً

التعليقات