عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبدالقوي العبسي / لا ميديا -
منذ العام ونصف تقريباً تم الإعلان في صنعاء عن بداية الدخول في مسار إنجاز الثورة الزراعية في اليمن، وهو نهج جديد يقطع في الأهداف والاستراتيجيا والوسائل مع النهج الفاشل الذي كان سائداً منذ عقود، وتحديداً منذ الثمانينيات.

ما هي الثورة الزراعية بمفهومها الجديد؟
عند تعريف الثورة الزراعية نقول هي تحول نوعي في عملية الإنتاج الزراعي باستخدام تقنيات وأساليب تقليدية فاعلة أو جديدة مبتكرة وقفزات كمية في الإنتاج ونوعية في الجودة وتحول جذري في الاستراتيجيات والخطط والسياسات الزراعية والمبادئ والأهداف الزراعية تستهدف أولاً مصلحة الإنسان والمجتمع من خلال تحقيق مفهوم الأمن الغذائي لجميع السكان وتحقيق معدلات أعلى من التنمية الاقتصادية، وما ينتج عنه من تحقيق الاستقرار الاجتماعي والمستوى المعيشي الأعلى للمواطن والخروج من معضلة الفقر وتحقيق الاستقلال الوطني الحقيقي.
إذن، المبدأ المفهومي الناظم المحوري هنا هو مفهوم تحقيق الأمن الغذائي لجميع السكان، الوفرة والاستدامة والعدل والجودة، أي ضمن المبادئ الخضراء المعروفة كالاستدامة والجودة وحماية البيئة والصحة والتكامل في الإدارة وتبيئة التكنولوجيا والتكيف مع تغير المناخ والمشاركة المجتمعية في الإدارة والتقنيات الخضراء الجديدة، بعيداً عن نهج الانحراف السابق الذي كان يحركه ويغذيه دافع تحقيق الربح الرأسمالي لأقلية ضئيلة جشعة في المجتمع لا تهتم بالأمن الغذائي للسكان بقدر اهتمامها برسملة الزراعة بدافع الربح.
الثورة الزراعية بمفهومها الراهن المجمع عليه تعني العمل الجماعي الشعبي والتكافل المجتمعي والتدخل المؤسساتي الدولتي الداعم والمشاركة الاجتماعية في الإدارة والنهج الإداري العلمي، وتعني قبل ذلك السير وفق مخطط استراتيجي وامتلاك الإرادة السياسية القوية من قبل قيادة ثورية واعية وحكيمة، وهذا يستهدف تحقيق السيطرة الفعلية والتحكم العقلاني في كل مدخلات الإنتاج الزراعي للوصول إلى مخرجات أفضل كماً ونوعاً، فعالية أكبر، مهارات إنتاجية أرقى، معرفة علمية أدق وأشمل، كفاءة أعلى، استخدام أمثل للموارد وبكلفة أقل وإدارة أكثر تكاملاً في جميع مراحل الإنتاج الزراعي، وما يرتبط به من إدارة متكاملة للموارد الطبيعية والبشرية.
والإدارة الاستراتيجية هنا تعني ربط ملفات الزراعة والمياه والبيئة والاقتصاد والإدارة والتكنولوجيا ومنها تكنولوجيا المعلومات والاجتماع والإعلام والأمن والقانون والسياسة بعضها ببعض ربطاً جدلياً موضوعياً في سياق تحقيق الإدارة المتكاملة وهدف التنمية المستدامة، وفي إطار من الفلسفة الخضراء.

الثورة الزراعية في اليمن.. بدايات مشجعة
ولكي نقيم الخطوات الأولى لبدء دخولنا في الثورة الزراعية لا بد من إجراء مقارنات للأداء والمدخلات وتطور المعرفة والقدرات وابتكار الأساليب وحجم الجهود المبذولة والنظر إلى الوقت المبذول والكلف المنفقة، والقياس إلى الظروف المحيطة بيئياً ومادياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً وإدارياً مؤسسياً، والمخاطر الموجودة وإدارة هذه المخاطر.
إن الدخول الحقيقي في بداية مرحلة ثورة زراعية وفي ظروف استثنائية عصيبة هي ظروف الحرب العدوانية الظالمة على شعبنا اليمني والأزمات الاقتصادية المحلية الناشئة بفعل الحرب والحصار، وكذلك تداعيات الحرب العالمية الحالية والأوضاع الناتجة عن السياسات النيوليبرالية التي يفرضها النظام الإمبريالي العالمي على البلدان كافة، بالإضافة إلى الموروث الثقيل من المشكلات التي خلفها العهد السابق، لا شك أنه إنجاز عظيم عندما تجد أن ثمة بدايات مشجعة، وثمة مؤشرات على بداية مسار للثورة الزراعية.
البدايات مشجعة والعقبات والصعوبات كثيرة وكبيرة، لكن إرادة الشعب اليمني في ظل مسيرته الثورية هي الأقوى والأقدر على تجاوز هذه العقبات والصعوبات.
تم التدشين لهذا المسار، مسار الثورة الزراعية من قبل حكومة "الإنقاذ الوطني" في صنعاء واللجنة الزراعية العليا في شهر أكتوبر من العام 2021، بدأ بعدها يتدفق سيل من الجهود المتضافرة وحماس منقطع النظير خاصة لدى جيل الشباب، وكم هو مشجع للغاية أن تتم عمليات حشد الطاقات لآلاف الكوادر وتدريبها وإجراء مئات المبادرات الاجتماعية وزراعة آلاف الهكتارات من الحبوب وتأسيس وتفعيل مئات الجمعيات التعاونية، وتأسيس الآلاف من اللجان الزراعية على جميع مستويات الإدارة المحلية والوطنية، وإعداد الخطط الاستراتيجية لأهم المنتجات والمحاصيل المزروعة ذات المردود النقدي العالي، والبدء الفعلي في تخفيض كلفة فاتورة استيراد بعض المنتجات الزراعية.
كم هو مشجع للغاية أن يبدأ تدشين مسار معاكس للمسار التخريبي الذي نهجه النظام السابق منذ العام 1978 تحت إملاءات القوى الإمبريالية الأمريكية ومنظماتها وأدواتها المهيمنة على سياسات البلدان الفقيرة التنموية ومنها اليمن، بما فيها سياسات التنمية وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والأمن الغذائي.
والمؤشرات تقول إننا لسنا بصدد استمرار للنهج والسياسات السابقة كما قد يظن البعض يأساً وإحباطاً، وإنما بالفعل بصدد إجراءات حقيقية وشجاعة تخلق مساراً معاكساً للمسار للتخريبي، وتهدف إلى تبني سلوك النهج الوطني العقلاني الرشيد بخصوص أهم قضية تمس أمن وطننا واستقلالنا الفعلي من تحكم الاستعمار الجديد العالمي الذي تقوده الدولة الأمريكية منذ عقود من الزمن، وهو التحكم الذي استفحل منذ العام 1990.
الثورة الزراعية هي الحل لضمان استقلالنا الاقتصادي والسياسي، ولضمان مقومات القوة والصمود أكثر في وجه كل المخططات الاستعمارية الصهيونية الحاقدة، والتي تستهدف النيل من استقلال وكرامة الشعب اليمني ونهب ثرواته وطمس هويته.

الثورة الزراعية وإدارة المياه..ذرائع واهية
طيلة سنوات المرحلة السابقة من منتصف التسعينيات وحتى العام 2014 كان لدى الحكومات الفاشلة المتعاقبة توجهات خاطئة يتم تغطيتها بمبررات واهية، أبرزها ما قيل عن ندرة المياه، حيث إن محدودية توفر المياه في اليمن كانت، بحسب خبراء المياه المحليين والأجانب، أحد أهم محددات استخدام المياه في التوسع الزراعي.
وكان الكثيرون يرون أن البعض من هذه التصريحات والتوجهات لم تحمل طابع المصداقية والموضوعية والشفافية بما فيه الكفاية واللغة العلمية المدعمة بالأرقام الدقيقة، وأنها خضعت للإملاءات والإيحاءات والادعاءات من قبل الخبراء الغربيين ذات الأغراض السياسية المشبوهة أكثر من كونها تنطلق من واقع مائي صادم، كما يزعمون.
فكميات المياه الموجودة تفي بالغرض لو أنه تتم إدارتها بطريقة علمية مستدامة متكاملة بعيداً عن الهدر والاستنزاف وسوء الإدارة وهوس زراعة القات، هذا التسابق المجنون الباحث عن الربح وفي إطار من تقنيات الاستخدام الأمثل وتبيئة التكنولوجيا، وفي إطار اجتماعي تشاركي يقوم على الشراكة المجتمعية في إدارة المياه، وتخطيط عقلاني يأخذ بالاعتبار منهجية التكيف مع تغير المناخ.

هذه الأفكار والتصريحات عن الماء بوصفه العامل المحدد للزراعة والتنمية، على الرغم من كونها علمية وعقلانية موضوعية، إلا أنها وضعت ـ للأسف ـ في إطار خاطئ للسياسات، وتم جعلها منطلقاً للتوجه المتخاذل في الزراعة المبيت بسوء النية، فضلاً عن كون البعض منها كان مقصوداً لاستجلاب المزيد من الدعم، والبعض الآخر كان محمولاً على لغة تهويلية متسرعة تتحدث عن الاستنزاف للمياه وسقوط المدن مائياً، وأبرزها العاصمة صنعاء في غضون سنوات!
وكانت الأدبيات في تلك الآونة تحث على إيقاف سياسة دعم الإنتاج الزراعي والتوسع الزراعي، والمتمثلة في سياسة دعم الوقود وتشجيع وتسهيل استيراد التكنولوجيا، وأبرزها تكنولوجيا حفر المياه، وهي السياسة المتبعة من فترة السبعينيات، على كونها أحد مسببات المشكلة، وذلك بسبب الاستغلال السيئ لسياسة الدعم في نشاطات الإنتاج الزراعي.
كانت هذه المطالبات الجديدة لوقف سياسة الدعم سيئة هي الأخرى، وكانت تحدث تحت ستار من عناوين براقة تتمثل في الندرة والجدوى وترشيد الاستهلاك ووقف الاستنزاف وحماية المياه، وتطالب جراء ذلك بتغيير سياسة الحوافز واعتبار الماء سلعة اقتصادية، والتوقف عن التوسع في الزراعة، وهو قول حق أريد به باطل من قبل البعض الذين لا يكترثون لنهج التنمية الزراعية والأمن الغذائي.
كانت هذه النغمة الغريبة هي الموضة الفكرية الجديدة التي بدأت تسود في فترة العقد الأول من الألفية الجديدة وفي فترة حماس تأسيس البنية التحتية لقطاع المياه، وقد تجاهل هؤلاء حقيقة أن المشكلة أساساً تكمن في التوسع في زراعة القات مع ما يسببه هذا النمط من الزراعة من ممارسات إهدار المياه، وليست المشكلة في الزراعة بحد ذاتها أو التوسع الزراعي وإنما في أي نمط من الزراعة وأي أساليب زراعية وأي سياسات نتبع.
المشكلة إذن تكمن في الأخطاء المقصودة وغير المقصودة التي حدثت طوال سني المرحلة الزرقاء من بداية السبعينيات إلى منتصف العقد الأول 1970-2005، حيث كان الوضع السائد فيه الكثير من مظاهر القصور تتمثل في تدني أساليب ونظم الري مع التأخر في استخدام تقنيات الري الحديثة وتدني الوعي المائي نتيجة تفشي الأمية التعليمية والثقافية وسيادة البنى الاجتماعية التقليدية، بالإضافة إلى منطق السوق القائم على الربح أولاً، والذي لا يفهم مضامين التخطيط العلمي لإدارة تكاملية مستدامة من أجل تلبية احتياجات السكان من الغذاء ومياه الشرب النقية والاستخدامات الأخرى في آن معاً.
فالتسارع إلى التوسع في حفر الآبار عشوائياً لغرض زراعة القات استغلالاً للدعم والتسهيلات الحكومية قد تسبب في زحف شجرة القات على الوديان الزراعية الخصيبة على حساب المساحات التي يفترض أن تكون مخصصة لمحاصيل الغذاء (حبوب وخضروات وفواكه) خاصة النقدية منها، كان هذا التسابق المحموم الجنوني نحو الحصول على الثروة التي تجلبها زراعة القات كمحصول نقدي شيطاني وغير ذي صلة بالغذاء هو الظاهرة الأبرز والأكثر تدميراً لبنية الأمن الغذائي.
كانت هناك بعض التبريرات السخيفة بخصوص زراعة القات منها أنه يلعب دوراً مهماً في الاقتصاد، وأنه يمثل البديل الأنسب ربما لعادات أسوأ مدمرة للصحة والعقل والأخلاق كشرب الخمر والمخدرات، وهذا أيضاً كان يساعد في تجاهل أي دعوات أو مطالبات حكومية أو مدنية بمكافحة زراعة القات أو الحد منها، وهكذا تم تغييب حقيقة أن القات هو العدو الأول للأمن المائي والغذائي، وهو المتسبب الأكبر في استنزاف المخزونات المائية الجوفية للعديد من الأحواض المائية.
وقد ساعد على تشجيع هذه الممارسات وجود مراكز القوى الاجتماعية التقليدية النافذة في الدولة وجماعات الضغط من أرباب الاستثمار في قطاع المياه وزراعة القات التي كانت تعطل برامج وسياسات تنفيذ أحكام قانون المياه وتعطل تفعيل إجراءات الرقابة والضبط القضائي، وتحرص على بقاء حالة سوء الإدارة وانتشار الفساد الإداري الممنهج.
كل هذا كان يحدث في ظل غياب الإرادة السياسية لدى أعلى سلطات الدولة طيلة فترة ما نسميها "المرحلة الزرقاء" إن صح التعبير، وهي فترة نجد أن امتدادها الزمني أكثره كان إبان فترة حكم المؤتمر الشعبي العام الذي كان يجعل من اللون الأزرق رمزا له، وفي هيئات ومؤسسات المياه كانت الرموز والشعارات تطبع باللون الأزرق من أجل الاستخدام المزدوج، فالأزرق للدلالة على المياه، وهو رمز سياسي أيضاً، وأرى أن تسمية "مرحلة زرقاء" تدل على أن التركيز في السياسات كان على توفير المياه والتأسيس للبنية التحتية لإمداد المياه على حساب الجوانب الأخرى المتمثلة بـ:
ـ تحقيق الأمن المائي من أجل الأمن الغذائي.
ـ تنمية المياه من أجل دعم النمو الاقتصادي.
ـ التنمية المائية المستدامة (حقوق الأجيال القادمة).
ـ نوعية المياه وحماية المياه من التلوث من أجل صحة الإنسان.
ـ الجهود المفترض بذلها لمواجهة كوارث تغير المناخ.
ـ العودة إلى حكمة الأجداد وتشجيع نظم (حصاد مياه الأمطار).
هذه الجوانب المهملة آنذاك، والتي يبدأ الاهتمام بها الآن تجعلنا نطلق وصف "المرحلة الخضراء" للدلالة على أبعاد بيئية وخضراء يتم الاهتمام بها الآن.
كانت هذه الظواهر تلقي بظلالها سلباً باتجاه نشر اليأس والإحباط وإشاعة جو من عدم الثقة بجدوى التوسع الزراعي الإنتاجي لأغراض التنمية والأمن الغذائي.
والمسألة في شقها الأيديولوجي لدى أصحاب تلك الأفكار تكمن في وجود نهج معاد للاقتصاد الإنتاجي الزراعي ولمفاهيم الاكتفاء الذاتي ودعم المزارعين، وتقديم المصلحة الوطنية والمجتمعية على مصالح جماعات ترغب في تعميم وتغليب منطق السوق وفلسفة الربح.
والفكرة الجديدة الآن أن تشكيلة واسعة من الأساليب الخضراء للتوجه نحو احترام توازن النظم الطبيعية عبر النظم الرشيدة للاستدامة والتكامل والتشارك والسياسات الفاعلة البديلة قد تحيي آمال العودة إلى سياسة الاكتفاء والأمن الغذائي وتقطع مع ذلك النهج المنحرف.
وسنتناول في الحلقة الأخيرة الإجراءات والسياسات التي لا بد من الشروع فيها لتحقيق أهداف الثورة الزراعية وتمهيد الأرضية لنجاح مخططها الأخضر.

إجراءات وسياسات لا بد منها ولتحقيق أهداف الثورة الزراعية وتمهيد الأرضية لنجاح مخططها الأخضر يجب الشروع في ما يلي:
أولاً: التخلص من تضارب استراتيجية المياه مع استراتيجية الزراعة مع غيرها من الاستراتيجيات التنموية المرتبطة بها، لأنه مع دخولنا في الوضع الجديد الناشئ مع بقاء الصياغات السابقة نجد أن التضارب موجود إلى حد ما، حيث إن استراتيجية المياه فعلياً لا تكترث لمسألة التوسع الإنتاجي الزراعي لغرض تحقيق الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، لأن مجال اشتغالها الأساس هو الخروج من أزمة شحة مياه الشرب، وما حفز على إعدادها في الأصل هي أزمة المياه في الأحواض المائية المستنزفة في الثمانينيات والتسعينيات، وما أحدثته تلك الأزمة من عوامل تزعزع الاستقرار الاجتماعي، وما شكلته من حالة إنسانية كارثية بالنسبة للتجمعات السكانية الحضرية والريفية على حد سواء.
كما أن تلك الاستراتيجية كانت مبنية على صيغة تم طرحها للإدارة المتكاملة للموارد المائية لا تتناغم بشكل كلي مع سياسات الإدارة المتكاملة للموارد الطبيعية والزراعية ولا مع استراتيجية الأمن الغذائي، فضلاً عن كونها ليست هي الصيغة المثلى للإدارة المتكاملة للموارد المائية.
ثانياً: إعادة صياغة الاستراتيجيات والخطط الوطنية والحوضية المائية والبيئية وكذلك الاستراتيجيات الزراعية الوطنية واستراتيجيات التنمية، وهذه تتطلب عقد ورش عمل والذهاب إلى مؤتمرات وطنية جديدة، كذلك إعادة صياغة التشريعات المائية والزراعية وتعديلها للتلاؤم مع النهج الجديد، وتفعيل التنسيق بين اللجان الزراعية وجمعيات مستخدمي المياه والأطر الحكومية المحلية في مجالات تنظيم استخراج المياه والحفاظ على المخزون المائي.
تنمية موارد المياه من خلال تأهيل وبناء منشآت حصاد مياه الأمطار والعودة إلى الحكمة المفقودة في هذا المجال، حكمة الأجداد الذين بنوا حضارة إنسانية مزدهرة في العصور القديمة كان عنوانها المدهش الأساس هو أنها حضارة الحصاد المائي أو حضارة زراعية قائمة على الحصاد المائي.
الحد من الحفر العشوائي لآبار زراعة القات، والذي لا يعني كمفهوم بالضرورة أنه يمثل حفر الآبار غير المرخصة فقط، وإنما هناك اعتبارات أخرى تدخل في إطار مفهوم الحفر العشوائي، اعتبارات أخرى غير الترخيص الحكومي، لأنه يوجد هناك ما يمكن تسميته "حفرا عشوائيا بالقانون!".
الحد الفعلي من التوسع في زراعة القات بإجراءات عملية صارمة باعتباره العدو الأكبر للثورة الزراعية، والسعي إلى استعادة مكانة المنتج الزراعي النقدي المشهور عالمياً وهو شجرة البن.
دعم التوسع الزراعي في إنتاج الحبوب والبقوليات والمحاصيل النقدية أيضاً مع إعطاء الأولوية للحبوب حتى نتجنب مرة أخرى حدوث ما تسمى "صدمة الغذاء" التي سنمر بها خلال الأشهر القليلة القادمة، وهذا هو الدرس المستفاد من أزمة أوكرانيا.
يكفي أن نعلم أن اليمن تحتاج إلى استيراد أكثر من 90% من الغذاء، ملايين الأطنان من الحبوب بمليارات الدولار، وهناك على الأقل بضعة ملايين من السكان مهددون بالمجاعة جراء التداعيات الكارثية للحرب العدوانية الظالمة على البلد أولاً، وتداعيات حرب أوكرانيا العالمية ثانياً، وتداعيات تغير المناخ ثالثاً، وقبل ذلك جراء مظاهر وممارسات خاطئة في قطاعي المياه والزراعة لاتزال مترسبة من بقايا العهد السابق، ولو كان نهج الاكتفاء الذاتي قد استمر من السبعينيات إلى الآن لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن من وضع مخز وكارثي صادم.
علينا أن نتجه نحو التوسع الزراعي لإنتاج الحبوب مستفيدين من كل أساليب الثورة الخضراء الأولى والثانية، آخذين بعين الاعتبار معرفة ظروف استخدامات الأرض وملاءمتها، وحجم المياه المتوفرة ونوعيتها، والعوامل المناخية والظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة.
لا بد من تشجيع المزارعين، بخاصة أصحاب آبار زراعة القات وإلزامهم بزراعة ثلث مساحة أرضهم بمحاصيل الحبوب، على أن يصبح ذلك شرطاً أساسياً من شروط منح الترخيص كالتزام مكتوب يستوجب إلغاء الرخصة حال المخالفة وعدم الالتزام، كذلك فرض رسوم على استخراج المياه لزراعة القات، تشجيع ملاك الأراضي على تكوين الجمعيات التعاونية الزراعية، والانخراط في المبادرات المجتمعية والأنشطة الإنتاجية التي ترعاها اللجنة الزراعية والأطر الحكومية الموازية.
نشر التوعية بأهمية التوسع في إنتاج محاصيل الحبوب والبقوليات والخضار والفواكه لغرض تقليل فاتورة الاستيراد التي تكلف البلد مليارات الدولارات، ولغرض تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، على قدر ما تسمح به الظروف الطبيعية وموارد الطبيعة من ماء (كعامل محدد أساس) وتربة ومناخ (في ظل التحديات الراهنة لتغير المناخ) والظروف الاقتصادية كالتمويل والإقراض وأسعار الوقود وتوفر المواد والمعدات التكنولوجية، مع ترتيب للأولويات ودراسة كل حالة جغرافية على حدة، وعدم إغفال سياسة الحوافز ووضع الضوابط لفوضى السوق، وتفعيل برامج التوعية المائية للحفاظ على المياه المستخدمة في الزراعة وصونها من الهدر والتلوث، وتشجيع استخدام نظم الري الحديث للتقليل من استنزاف المياه ورفع كفاءة استخدام المياه.
تشجيع استخدام الطاقة الشمسية وتركيب منظومات شمسية لتحقيق كفاءة أعلى في استخراج المياه بكلفة أقل وللتخلص من مشكلة ارتفاع أسعار الوقود.
ثالثاً: الاهتمام بتدريب الكوادر في مجالات الإدارة المتكاملة للموارد والتخطيط العلمي.
رابعاً: إجراءات صارمة للحد من الفساد الإداري والمالي في قطاعي المياه والزراعة، وتغيير القيادات الإدارية التي أخفقت في تنفيذ واجباتها، والتخلص من كل مظاهر سوء الإدارة.
خامساً: الاهتمام بالزراعة المنزلية وتقنيات وأساليب الثورة الخضراء الثانية، وما يمكن إنشاؤه من مشاريع في هذا المجال.
سادساً: الاهتمام بالبعد البيئي للأنشطة والاستثمار المائي والزراعي، والتركيز على الجدوى والأثر البيئي.
سابعاً: تفعيل النشاط التوعوي في مختلف جوانب العمل الزراعي والمائي والبيئي، والاهتمام بالإعلام الزراعي والمائي والبيئي وتفعيل رسالته التوعوية ودوره التحفيزي للمواطنين.
ثامناً: تحقيق مفهوم العدالة في توزيع الفرص والخدمات للمجتمعات المحلية والفئات الاجتماعية، وتأمين الوصول المتساوي إليها من قبل كافة فئات وشرائح المجتمع أفقياً اجتماعياً وعمودياً جغرافياً.
تاسعاً: قبل ذلك لا بد من إنشاء بنية تحتية معلوماتية من خلال مراكز المعلومات الزراعية والمائية والبيئية، واستخدام التقنيات المعلوماتية الحديثة لما توفره من أساس علمي موضوعي دقيق لمتخذي القرار ولمعدي الخطط والسياسات والبرامج.

أترك تعليقاً

التعليقات