حلف «إبراهام»
 

عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -
يتم الآن استكمال إنشاء الحلف الصهيوني ـ الإمبريالي الأوسع في المنطقة، وإن كان يتم التعمية على حقيقة امتداده الجغراسياسي ليظهر لنا فقط ما هو في الواجهة المباشرة والصريحة بين 4 دول فقط، حسب ما يجري الترتيب له هذه الأيام، ويسرع ضرورة التعجيل بإنشائه التغيرات الكبرى التي حصلت في العقدين السابقين، وأهمها نشوء تعدد الأقطاب العالمي والإقليمي، وتغير موازين القوى وميلها لصالح المعسكر الشرقي الجديد وحلفائه الإقليميين، سواء في محور المقاومة أم خارجه، وهو ما بث الرعب في قلوب الأطالسة الإمبرياليين وحلفائهم الصهاينة والرجعيين، ودفعهم لإنشاء درعهم الجديدة في المنطقة، وهي درع محدبة باتجاه الغرب، بما يمثل شكل هلال معكوس في مقابل الهلال الشيعي المزعوم والمدعوم من قبل روسيا والصين.
يتم الآن تشكيل هذا التحالف الجديد لكي يلائم حربهم الباردة الجديدة مع الشرق الجديد الناهض الذي يستعد لرسم ملامح حضارة القرن الواحد والعشرين.
لهذا الحلف مهمة استراتيجية تتمثل في تشكيل حائط صد سياسي واقتصادي وعسكري أمني وثقافي أيديولوجي في وجه تسونامي الزحف المشرقي المتجه صوب "الشرق الأوسط". هذا الإقليم المهم، الغني بثرواته وإمكاناته والمتميز بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، سيصبح عما قريب مجالا حيويا جيوسياسيا للمعسكر الشرقي وأسواق صينية أوراسية جديدة واعدة، خاصة مع نجاح روسيا والصين في استقطاب كبرى دول الإقليم من خلال المشاريع الاقتصادية العملاقة والاتفاقات والمعاهدات والتعاون الذي يتنامى بشكل أرعب الغربيين الأطالسة، حتى الحلفاء يجري استقطابهم جزئيا من خلال المشاريع والعلاقات والمعاهدات والتنسيقات. ولا غرابة في ذلك، فالصين وروسيا تسعيان بشتى السبل لتحسين العلاقات ومد النفوذ في كل المجالات تعجيلا لمسار انحسار الغرب المعادي في المنطقة، وضرب هذا الغرب العدواني الاستعماري في معاقل نفوذه فيها.
وتعظيما للمكاسب الاقتصادية الجيوسياسية لهما كحليفين استراتيجيين يسعيان إلى تشكيل نظام عالمي جديد أفضل وأكثر أمنا واستقرارا وأكثر تحقيقا للعدالة والفرص، وأفضل من حيث تحقيق الندية والتكافؤ وأقل استغلالا، كان لا بد للغربيين الأطالسة وحلفائهم من التحرك والتعجيل في إنشاء الحلف الجديد في المنطقة وتوسيعه ليشمل كل أصدقاء أمريكا في "الشرق الأوسط" استباقا وقطعا للطريق على الدب والتنين قبل المجيء المحتوم!
وهنا أحب أن أشير إلى وجهة نظر أميل إليها بخصوص الصين وروسيا، وجهة نظر ترى أنهما دولتان وطنيتان برجوازيتان لديهما نهج سياسي عالمي يختلف عن النزوع الإمبريالي إلى حد كبير أو -ربما- متجاوز له، بسبب أن صعودهما يأتي في زمن اضمحلال الإمبريالية، وبسبب طبيعة الدولة والنظام فيهما، التي تختلف كثيرا عن طبيعة الدول الإمبريالية الغربية.

الأطلسيون الاستعماريون وحلفاؤهم لديهم دائما العناوين والشعارات الأيديولوجية البراقة لتسويق المشروع "الشرق أوسطي" بحلته الجديدة وتبريره، منها: حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتغيير، ومواجهة الشر، ومكافحة الإرهاب، واستقرار المنطقة، وأمن "إسرائيل" الكيان الصهيوني، ومجابهة التوسع الإيراني... إلخ من هذه الادعاءات والأكاذيب التي تجد أن ما يصنعه ويقوله ويفكر به هؤلاء المتغطرسون المتنمرون وحلفاؤهم ليس له أي علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، بمعظم هذه العناوين والشعارات التي يرفعونها، إلا فيما يتعلق بحماية مصالحهم وحماية تفوق المسخ الصهيوني الذي زرعوه في المنطقة، ولا يستخدمونها إلا كذرائع لمد النفوذ والهيمنة عليها والنهب الإمبريالي لثرواتها وإذلال شعوبها واستعبادها، وتدمير كل مقومات النهوض لديها.
(وهنا نتعجب كثيرا من أن المثقفين والسياسيين الليبراليين يغفلون عن التوسع الإمبريالي الصهيوني، وألعاب التوسع الموجودة كحقيقة دامغة للكثير من الدول الإقليمية الكبرى الدائرة في فلك أمريكا وتحركاتها العسكرية الأمنية المباشرة واحتلالها الصريح للكثير من أراضي الدول الأخرى، ولكن هذا هو منطق الخداع والتضليل والإيهام الذي برع فيه المستعمرون والصهاينة وأذنابهم العرب وأبواقهم الإعلامية).
وعن تسمية هذا الحلف إذا أردت التسمية فهي جاهزة ومعلنة من خلال التصريحات والمقالات والتحليلات والدراسات لمراكز الأبحاث والصحافة والجامعات والناطقين الحكوميين. وكثيرا ما يتم استخدام كلمة "إبراهام" في الآونة الأخيرة، خاصة مع الترويج للتطبيع و"صفقة القرن"، مما يمهد ربما لتسميته "حلف إبراهام"، حقيقة وليس مزحة، ولم لا؟! فهذا أمر وارد في زمن يعربد فيه الصهاينة كثيرا!

"إبراهام" رافعة أيديولوجية
"إبراهام" هي الكلمة المفتاحية للتحرك الجديد، ويستخدمها كثيرا الماسونيون والصهاينة وحلفاؤهم، كقنطرة أيديولوجية للعبور أو قاسم مشترك مزعوم بين أتباع الديانات أو حوار الديانات يؤمل منه أن يوفر جسورا للتقارب بين أبناء الأديان الثلاثة وشعوبها، ليجري اختزال الصراع الاجتماعي والسياسي والأيديولوجي والثقافي والقيمي إلى مجرد خلاف ديني بين أتباع ديانات متشابهة أو متقاربة في الفكر والثقافة والقيم.
تتناغم هنا كل الخطابات الأيديولوجية والسياسية، ويتم تجميع كل هذه التوظيفات السياسية الأيديولوجية، من "هرماجدون" الأسطورية إلى القواسم المشتركة المزعومة لديانات إبراهيمية، إلى الخطر المشرقي الروسي والصيني والكوري والإيراني المزعوم، ويتم تقديم هذا الخطر إلى الجمهور بنكهة دينية لإضفاء صبغة الشرعية والقداسة على هذا الصراع بين الشعوب المؤمنة في الغرب و"الشرق الأوسط" من جهة، وكفار وطواغيت المشرق من جهة أخرى.
ولا بد هنا من توظيف كل الثيمات الثقافية والأيديولوجية والسياسية، بما فيها كل النداءات الجديدة، من أجل التغيير والإصلاح، ومن أجل حشد الأنظمة والنخب والحركات والجماهير في صف "المعركة الكبرى"!، كل هذا الخداع يتم الترويج له وتسويقه بين أبناء الشعوب العربية لخدمة المشروع الإمبريالي ـ الصهيوني وأطماعه الاقتصادية ومطامحه الجيوسياسية.
هذا المشروع (الإمبريالي ـ الصهيوني) يجد نفسه في مأزق التحديات المضادة له في زمن تغيرات موازين القوى في الإقليم والعالم، وفي ظل سعي الإمبريالية الأطلسية إلى خوض مجابهة كبرى في جميع المجالات وعلى جميع المستويات.

هذا المشروع (الإمبريالي- الصهيوني) يجد نفسه في مأزق التحديات المضادة له في زمن تغيرت موازين القوى في الإقليم والعالم، وفي ظل سعي الإمبريالية الأطلسية إلى خوض مجابهة كبرى في جميع المجالات وعلى جميع المستويات ضد المعسكر الشرقي الجديد الناهض، والذي أدركت أنه يشكل تحديا هائلا للهيمنة والنفوذ الغربي الأطلسي، ليس في هذه البقعة فقط، وإنما على الصعيد العالمي ككل.

طور أعلى في الصراع
وقد وصلت اللعبة (الإمبريالية ـ الصهيونية) القذرة إلى مستوى أعلى من المواجهة والتحدي. إذ يكفي أن تقول (افتح يا "إبراهام") لكي تلج كمتابع إلى مغارة السياسة الإمبريالية ـ الصهيونية الجديدة، وتنكشف لك كل الألغاز والمغمضات من السياسات المفاجئة والتحركات المحمومة وكل الطبخات المستعجلة أو التي تبدو كذلك ظاهريا على الأقل!
من التطبيع، إلى المشاريع الضخمة والاستثمارات، إلى التنسيق الأمني، إلى صفقات السلاح، إلى إعادة الانتشار والتموضع، إلى الخرائط الجغرافية الجديدة للمنطقة، إلى صناعة الأعداء الجدد، إلى التشهير الإعلامي، إلى الفضائح التي تخرج إلى العلن، إلى الاستغلال والتوظيف السياسي لانتهاكات حقوق الإنسان، إلى اللعب على وتر العصبويات بأنواعها، إلى توزيع جديد للأدوار بين الحلفاء.

حلف "إبراهام" ودور الماسونية
تشترك الماسونية في تقديم الدعم لهذا المشروع بكل تأكيد كإحدى الجماعات والنخب المؤثرة في أوروبا وأمريكا، وكقوة شبه علنية لها نفوذ متعدد، تشارك في التخطيط والدعم إلى حد ما، ولكن ليس لها سيطرة كاملة على توجيه دفة الأحداث والقرارات ورسم السياسات سواء في المنطقة أو في دوائر صنع القرار الغربي، فهذه خرافة وأسطورة سياسية ونوع من نظرية مؤامرة، وتكمن بالمبالغة في الحديث عن السيطرة والتحكم الخفي الكامل والمطلق لجماعة صغيرة في تحريك وصناعة الأحداث.
فالماسونية كتنظيم، وإن كان موجودا وله تأثير وبصمات، ونشاطه التآمري موجود، وأفكاره الرجعية العصبوية على سبيل المثال: العزف على نغمة الإبراهيمية وحوار الأديان تلمس انتشارها في كل مكان لدى صناع القرار والنخب الغربية والحليفة منها، إلا أنه ليس هو المسيطر أو المحرك الوحيد، فكثير من الرموز والقوى والحركات السياسية والمنظمات وجماعات الضغط المتنفذة الموجودة في الغرب هي خارج دائرة التأثير الماسوني.
فالتنظيم الماسوني يتراجع نفوذه يوما بعد يوم في العقود الأخيرة من الزمن مع ظهور قوى وجماعات أخرى لها تأثير ونفوذ هائلان.

اللعب على المكشوف
لا يجري إحداث ضجيج عالمي إعلامي حول التحالف الجديد كما كان في السابق إبان القرن الماضي حين كان الصخب الإعلامي أكبر، لكن الفارق اليوم هو في أن الألاعيب باتت مكشوفة أكثر، وأصبح بإمكان المواطن العربي البسيط أن يدرك مكونات هذا الحلف وامتداده الجغرافي السياسي وحدود انتشاره وخارطة أطماعه الاقتصادية ونطاقات تغلغله الثقافي الأيديولوجي والثيمات الفكرية والثقافية التي يلعب عليها، بل يلاحظ مكونات إمبراطوريته الإعلامية وما يلحق به من مؤسسات للهيمنة الأيديولوجية ولصناعة الرأي العام والمزاج العام الجديد المعدل، كل هذا أصبح واضحا، ولن تحتاج إلى بذل جهد كبير كي تحيط به.
المجال الجغرافي للتطبيق هو في المربعات الإقليمية الجغرافية ذاتها، ولكن مع بعض الإضافات وبتصميم أمريكي صهيوني بامتياز، ويضم الدول التالية: دول الخليج ومصر والأردن وكيان الاحتلال الصهيوني وتركيا وإثيوبيا والسودان وليبيا وقبرص واليونان. هذا هو "حلف الشيطان" إذا أردت التسمية بلغة بسيطة عامية، لكنها معبرة وصحيحة تماما، والحقيقة أن الشيطان يبدو تلميذا أمام الألاعيب السياسية الجهنمية لهؤلاء، فحين توشك حرب أن تندلع بين الشبيهين والحليفين لأمريكا، فاعلم أن التنسيق بينهما يصل إلى مداه وبمساندة خلفية من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا.

إدارة الخلاف بين الحلفاء
أهم نشاط يتم تنفيذه حاليا لتدعيم أركان هذا التجمع السياسي العسكري الأمني الأيديولوجي الاقتصادي هو تنسيق المصالح الاقتصادية المشتركة لدول متحالفة ومتنافسة في آن معا، وبالرغم من النزاعات الاقتصادية وحمى التوسع ومد النفوذ للسيطرة على المواد والأسواق والمواقع والممرات، إلا أن ضابط الإيقاع والمنسق الخلفي الخفي يبدو أنه يؤدي دوره بإحكام في إدارة الأزمات بين الحلفاء بقدر ضروري من الحرفية من أجل تجنب الإرباك والتشويش والإضعاف، كما رأينا على سبيل المثال حالتي قطر والسعودية ومصر وتركيا!
لست أقصد هنا اليد الخفية العليا أو المؤثرين الكبار من الجماعات العليا، وإنما أتحدث عن نشاط علني واضح ومكشوف ومشروع استراتيجي (إمبريالي ـ صهيوني) ضخم مجهز للمنطقة لإعادة الانتشار وبناء التحالفات على أسس عقائدية جديدة ورسم خرائط جديدة وإدماج كيان العدو الصهيوني في المحيط العربي وإخراجه من عزلته الجغرافية والسياسية والثقافية والاقتصادية! وما يتطلبه من تصفية للقضية الفلسطينية وتحطيم الأنظمة المساندة لها.
تحالف الناتو (العربي ـ التركي ـ الصهيوني) هذا أشبه بتحالف الولايات المتحدة الأمريكية "الشرق أوسطية"، وهي بالفعل ولايات أمريكية "شرق أوسطية"، وإلا فكيف تفسر بناء القواعد العسكرية والمناورات المشتركة والبعثات العسكرية الأمنية بحجمها السري الضخم والتنسيقات الأمنية والدعم الاقتصادي السنوي المتعدد والدعم التكنولوجي والعسكري والقروض التي تعطى، والتسهيلات و… و… و… إلخ.
سماه البعض "النيتو العربي"، ويجري الحديث والخلاف عن توسيعه أو تضييقه، لكننا نراه أكبر من ذلك، فهو "نيتو شرق أوسطي" بامتياز، وبامتداد جغرافي واضح، وربما أن الفكرة هي نفسها عن "الشرق الأوسط الجديد" المزعوم التي كانت ترد على ألسنة الإمبرياليين والصهاينة طيله العقود السابقة، ولكن مع إعادة بلورتها وصياغتها بثوب جديد لتستوعب بعض الحقائق والمتغيرات الجديدة بحيث يكون الكيان الصهيوني بمثابه مركز له وقائد سياسي واقتصادي وثقافي له، وهذا ما يفسر لماذا تتسارع معظم دول الإقليم من أصدقاء أمريكا إلى كسب ود الكيان والتطبيع وإعادة التطبيع معه.

أترك تعليقاً

التعليقات