ما هي الثورة؟!
 

عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -
الثورة ليست "غاغة" كما يصورها لنا الحكام الجهلة ومفكرو وأتباع اليمين الرجعي. هي ليست تمرد جمهرة من الغوغاء والرعاع، وإنما الثورة هي تجسيد لإرادة شعب، وحدث تاريخي يصنعه الشعب، ولا يكون إلا بانخراط تكتل واسع من الشعب في هذا الحدث، ودون تحقيق هذا الشرط لا يكون لدينا ثورة، وإنما مجرد حركة احتجاج أو انتفاضة شعبية محدودة.
مصطلح "الثورة" بمعنى التغيير الجذري للنظام هو مصطلح علمي حديث، ولا علاقة له بمعنى الثورة القديم، وهي خروج مجاميع كثيرة من أبناء الشعب على الحاكم الظالم كما كانت الثورات في القرون الوسطى الإقطاعية التي قادها على سبيل المثال الأئمة العلماء أو أتباعهم من القادة المناصرين لهم ضد طواغيت الملك العضوض الارستقراطي الإقطاعي.
في الظروف الراهنة نحن نستلهم من التراث التاريخي العظيم معاني التضامن ونصرة الحق ورفض الظلم، ونأخذ في الوقت نفسه متطلبات مفهوم الثورة الحديث، لاختلاف طبيعة الطواغيت وطبيعة الحاكم المستبد وطبيعة الغزاة الأجانب الداعمين له.

الثورة في ظروف واقعنا اليمني
العدو هو استعمار خارجي واستبداد داخلي يناصر هذا الاستعمار. عدونا الراهن هو الإمبريالية العالمية، أي الاستعمار الغربي الأطلسي بلغة مبسطة. والإمبريالية أو الاستعمار القديم الجديد أو المتجدد حقيقة واقعة لا تزال موجودة ولا ينكرها إلا أحمق. إذاً، عدونا هو الإمبريالية العالمية وحلفاؤها: الصهيونية والرجعية العربية الخليجية وأذنابهم من طواغيت الداخل، والمقصود بهم هذه القوى السياسية الممثلة لمصالح البورجوازية التابعة وبقايا شبه الإقطاع، الداعمة للحرب العدوانية والمناصرة لبقاء النفوذ الاستعماري الغربي والرجعي الخليجي، والمعادية في واقع الحال لأهداف ومصالح الثورة، والمستعدة كل الاستعداد للتطبيع مع الصهيونية والتحالف المستقبلي معها بحثا عن الحماية والبقاء!!
عدونا هو هذا النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي، وهذا النظام الرأسمالي الكولونيالي المحلي التابع له، وسلطته السياسية الطبقية الفاسدة والظالمة والمستبدة والمعادية في سياساتها لمصالح الغالبية الفقيرة من أبناء الشعب الكادح، والتي ما زالت تقود ثورة مضادة حتى الآن مستعينة بتدخل عسكري استعماري رجعي مباشر تمثله هذه الحرب العدوانية الظالمة المدفوعة بدوافع الانتقام ودوافع الأطماع غير المشروعة في ثروات البلد وميزاته الجيوسياسية، فارضة بأسلوب الحرب والحصار والحرب الاقتصادية التجويعية للشعب (في حدث كارثي مفجع) واقع الاحتلال البغيض لأجزاء واسعة من أرض الوطن!
إنه التاريخ الشيطاني ذاته يكرر نفسه؛ تاريخ الأطماع الاستعمارية لبريطانيا وبناتها (أمريكا و"إسرائيل" والسعودية والإمارات) في اليمن!
وذرائع الغزو والاحتلال تتكرر وتتلون وتتكاثر: السفينة، والإرهاب، وحرية الملاحة، والديمقراطية، والشرعية، وحقوق الإنسان، ومعاداة السامية، ومحور الشر، وتهديد الجيران، والصواريخ البالستية، و... و... و... إلخ!!
ولا بد وقد اتضحت أساليب الثورة المضادة وانكشفت أكاذيب تلك القوى التي كانت جزءاً من النظام السابق وركبت موجة الثورة لأغراض سلطوية ومصلحية أو تلك القوى التي تطمع في إعادة النظام السابق وتتحين فرصة العودة انقضاضاً، لا بد من الاستمرار في الدفاع عن جوهر فعل الثورة الشعبية ومبدئها وهدفها الأساس، والدفاع عنها ضد تخرصات المغرضين المتقولين الحاقدين.
لا بد من تنبيه الغافلين وتعريف الجاهلين بأهم السمات والملامح في طبيعة الثورة، فالثورة هي انفجار اجتماعي يأتي فجأة في توقيت لم يكن في الحسبان. وعادة ما يحدث هذا الانفجار بعد استفحال أزمة وطنية (سياسية، اقتصادية) شاملة طال أمدها وصولاً إلى عتبة خروج الوضع عن السيطرة والاحتواء فنصبح في وضع ثوري، فتأتي كشرر يتطاير وفتيل لهب يشتعل فيملأ الأرض حرائق في كل مكان ولا يمكن إيقافه إلا بعد حدوث خراب لكل بنيان العهد السابق وأوله خراب وتآكل سلطة الطغيان الحاكم.
الثورة ليست أزمة مفتعلة، ولا هي مجرد تعبير مكثف عن لحظة قصوية لصراع النخب على السلطة والثروة، أو تعبير عن لحظة الذروة في انقسام نخبة الحكم وأجنحته المتصارعة ومراكز القوى فيه. كما أنها ليست حدثاً سياسياً تاريخياً يصنعه جماعة من المتآمرين الداخليين لحساب أنفسهم أو لحساب متآمرين خارجيين. الثورة حدث خارج قاموس الأساطير السياسية. هي فعل جمعي حضاري عقلاني يغيب فيه العقل المصلحي الضيق وحسابات العقل البارد الجوفاء. هي فعل الحرية الذي لا يصنعه الخائفون.
وعلينا أن نفهم أنه لا يمكن تصنيع أو توليد الثورة في مختبر سياسي اجتماعي من قبل جهاز إداري مؤسسي علوي أو مؤسسة سياسية، دولية، حكومية أو مدنية، علنية أو سرية فائقة القوة، بحيث تصمم حسب الطلب وتصبغ بصبغات لونية، كما يزعم بعض القادة والمثقفين من قوى اليمين أشباه الفاشيست. هذا هراء!! وإنما هي هبة شعب مظلوم في لحظة يأس من صلاح الحاكم، ولحظة يأس من صلاح الوضع تحت سلطة ذلك الحاكم، وفي لحظة عجز الحاكم وطبقته العلوية عن الحكم، ولحظة عجز الشعب الكادح المفقر عن الصبر وتحمل الوضع أكثر. هي هبة شعب لم يعد يطيق الظلم الاجتماعي والإفقار الاجتماعي لحساب أقلية حاكمة مستبدة مترفة فاسدة، والتي تكون في الغالب في معظم الدول قد باعت وطنها بثمن بخس ورضيت أن تكون تابعة ذليلة للمستعمر. هبة شعب ضد طغيان محلي أو خارجي يقمعه أو يهين كرامته ويتنكر لمصالحه العليا.

الثورة فعل وتجابه أيضاً برد الفعل
الثورة فعل جمعي شعبي تقوده طليعته الثورية، ينتج عنه نظام بديل يصنع أدواته ومؤسساته الثورية البديلة، ويجابه أيضاً رد الفعل الحاقد والمجنون من قبل حاكم يسقط ونظام يهوي، حاكم يسقط يصنع ثورته المضادة لكي يعكس مسار الثورة أو يحرفها ويشوهها، أو إن عجز يخفف منها فيطوقها بالتخريب مستعيناً بما راكمه عبر السنين الخوالي من دولة عميقة، وما كونه من جمهور المنتفعين يستعين به كطابور خامس!! ويحاصرها ويشن حروبا مجنونة عمياء كي يهدم كل المعبد، مستعيناً بأصدقائه من قوى الطغيان في الداخل والخارج، فيمزق وطناً ويخلق وضعاً يتعذر معه نجاح الثورة، فإما أن يرجع هو وتموت الثورة المنهكة القوى في أسرع وقت، وإما لا يرجع فتعيش الثورة في وهن دائم وتموت ببطء.

ثورة أم ثورة مغدورة؟!
الثورة تحدث حين تكون حركة الشعب الثائر تحت قيادة طليعة ثائرة واعية منظمة. ولا تكون الثورة ثورة إذا كانت مجرد هبة شعبية عفوية بلا عقل يقودها وينظم ويرشد فعلها، حتى لا تأتي بالشطحات وتغرق في الطوباويات وتتعسف واقعها.
والثورة لكي تنجح تحتاج إلى قدر من الوعي للقيادة والجمهور وقدر من التنظيم، وقبل ذلك لنظرية ثورية مرشدة وبرنامج مناسب لواقع الحال. والثورة لا تنجح إلا إذا أتت بتغيير جذري للنظام، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، عندئذ نقول إنها ثورة.
وقد تنجح في تغيير النظام السياسي فقط فنقول إنها ثورة سياسية، وقد تنجح نجاحاً شاملاً فنقول إنها ثورة اجتماعية، فتكون عبارة عن نقلة نوعية، كيفية بعد تراكم كمي يحتدم فيه صراع الأضداد فتحدث هذه الانعطافة (انفجار الصراع) لتحقق بعدها التسارع في مسار التطور الاجتماعي. وإذا فشلت الثورة في تحقيق أهدافها وانحرفت عن مسارها ولم تنجح في التغيير، أو تمكن أنصار النظام السابق من احتوائها أو العودة من جديد إلى الحكم، فنقول عندئذ إنها ثورة مغدورة.

أترك تعليقاً

التعليقات