عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -
صحفيون ضد السلام سيكون اسما مناسبا لمنظمة تجمع صحفيي اليمن المأجورين المرفهين البرجوازيين محدثي النعمة الذين يعيشون خارج جحيم الحرب في الخليج وألمانيا ومصر وتركيا، من ربطوا أنفسهم بتحالف العدوان وقواه ومؤسساته الغاشمة، واستمرؤوا لغة الكذب والخداع والمبالغة والإمعان في التغطية على حقيقة الحرب العبثية الظالمة. هؤلاء نقترح عليهم أن يجتمعوا في أحد أبراج ترامب في آخر شقة لكي يشعروا بشكل أفضل بالشموخ والفوقية، لكي تغمرهم كافة أنواع أحاسيس ومشاعر الاستعلاء البرجوازي ضد قطاعات واسعة من الشعب اليمني ومكوناته الاجتماعية والسياسية.
صحفيون يستمرئون صب المزيد من الزيت على النار، والتلذذ بمشهد المذابح الدموية اليومية، وقد اعتادوا أن يرسلوا لنا رسائل مفادها أن كتاباتهم لا قيود أخلاقية لها ولا حدود، وأن هدفهم ومرادهم هو أن تبقى الحرب بلا نهاية.
هكذا نفهم ونستقبل الأمر من خلال كتاباتهم المسعرة للحرب التي تؤجج المزيد من الفتن وتثير وتحرض الرأي العام باتجاه سلبي يضر بالبلد.
كتابات تبرر للحرب الظالمة وتربطها بالحفاظ على إرث ثورة الستينيات، وتربطها بالأمن القومي العربي، وتربطها بدحر ما سموه "المشروع الفارسي" للهيمنة، وتربطها بدحر ومقاومة ما سموه "الانقلاب" على مشروع الثورة والمدنية ومؤسسات ما سموها "الدولة"، وتتعمد تجاهل حقيقة أن هذه القوى التي تدعي النضال من أجل حماية المشروع الوطني هي نفسها القوى التي حاربت المشروع الوطني وعرقلت عملية بنائه لعشرات السنين.
يتعمدون تجاهل حقيقة أن هذه الحرب عبثية وظالمة ولا مبرر لبقائها واستمرارها، لكونها تسببت ولا تزال بحجم هائل من المآسي والكوارث الإنسانية للشعب اليمني الذي عاش سنوات في ظل الجحيم وامتهنت وانتهكت آدميته بهذه الحرب.
والأمر الغريب هو أنه في الوقت الذي تجد فيه العالم أجمع يطالب بوقف الحرب وإنهاء الحرب العبثية الظالمة التي أنتجت أكبر مأساة إنسانية في التاريخ حقا دون مبالغة، نجد كتابا صحفيين في منابر ومواقع إعلامية مدعومة من صناع الحرب يسعرون ويصعدون خطابهم الأهوج ويحرضون الرأي العام من أجل استمرار الحرب إلى ما لا نهاية.
نستغرب استماتة هؤلاء وتمسكهم بخطاب الكراهية والحقد، وهو الخطاب الذي مله الناس وشعوب الإقليم والعالم أجمع، خطاب ينكشف لنا الآن مدى سخافته وتهافته ووضاعته.
نقول لهؤلاء: كفى حقداً وحماقة ومغالطات!
الآن، يوجد قرابة الـ25 مليون مواطن انتهكت آدميتهم وظُلموا ظلما بشعا وتجرعوا الويلات في هذه الحرب التي كان سببها أطماعا غير مشروعة لقوى محلية وإقليمية ودولية معادية لمصالح الشعب اليمني.
نحن بصدد كُتاب لا يلتزمون جانب الإنصاف، ويعمدون إلى تشويه الوقائع ونشر المغالطات والأكاذيب، يثيرون الفوضى عبر كتابات تحرض على تخوين الآخر وتكفيره وتجريده من عروبته ووصمه بأبشع الصفات.
كتابات توقد المزيد من نيران الفتنة الطائفية والجهوية والمناطقية بدلا من إخمادها. كتابات ضارة مبالغة في الخصومة حد الفجور تدعو في نهاية المطاف إلى الإلغاء والإقصاء، بل والاجتثاث السياسي والاجتماعي والثقافي والبدني الجماعي.
هكذا نفهم أنهم أجازوا لأنفسهم الحديث بلا مسؤولية في زمن الحرب، وفي لحظات مفصلية عصيبة يتوسلون فيها الفرص السانحة لدغدغة المشاعر السلبية والغرائز العمياء.
نقول لهؤلاء: الكتابة مسؤولية جسيمة، خاصة في وقت الكوارث الوطنية وزمن الحروب العدوانية العبثية التي يدفع ثمنها بالدرجة الأولى المواطنون الفقراء وهم أغلبية أبناء الشعب.
الكتابة من أجل الشعب اليمني يجب أن تنصب أولاً: كأولوية قصوى على دعوة السياسيين وصناع القرار إلى بذل الجهود العملية الفاعلة من أجل إنهاء الحرب، وأول خطوة هي وقف إطلاق النار فوراً.
وثانيا: الكتابة يجب أن تركز على فضح مرامي العدوان وأطماعه والتنديد بجرائمه، وكشف حقيقة دوافع الحرب الرئيسة وأسبابها الفعلية الأساسية، وتبيان الأطماع الاقتصادية للمستعمرين بشكل خاص، والأطماع الجيوسياسية ككل، وعدم الاقتصار فقط على جدلية الاستبداد المحلي وأطرافه وفاعليه وصراعاته ومناوئيه، وجدلية صراع القديم والجديد. هناك أسباب كبرى مباشرة ولعبة أكبر من مجرد استحضار عنصر من عناصر صراع مركب.
صراعات الداخل ليست فقط صراعاً ضد هذه القوة الاستبدادية أو تلك، بل إنها أيضاً صراعات طبقية اجتماعية تخوضها الطبقات الشعبية وطلائعها مع قوى طبقية اجتماعية مهيمنة سياسيا وفاسدة وديكتاتورية شبه فاشية ربطت مصالحها بمصالح البرجوازية الإمبريالية وحلفائها من الرجعية الخليجية والصهيونية التي دخلت بشكل علني سافر على خط تعقيدات الحرب مؤخراً.
يحدث أحياناً أن يتم تضليل وتدجين جموع الشعب الكادح للانجرار خلف أجندة قيادات طبقية علوية فاسدة عميلة وشبه فاشية، كما رأينا مع القيادات العسكرية والقبلية والأصولية، مثلما يحدث أيضاً أن تتفجر ألوان من الغضب الشعبي الاجتماعي في مختلف ربوع الوطن ضد أولئك الناهبين الفاسدين المتنفذين من الطبقات العليا الذين حكموا الشعب بالحديد والنار لعقود من الزمن، وعملوا ضد مصالح الشعب، وسلموا مقدرات وثروات الشعب للمستعمرين، وسلموا قراره الاقتصادي والسياسي لهم، هؤلاء هم مبتدأ الحكاية وأساس المشكلة وجذرها الأول والأكبر، فكيف تتجاهلون ذلك أيها المغالطون؟!
كفاكم انجرارا إلى ثرثرات الليبراليين الذين يغالطون كثيرا ويصورون المعركة والحرب على أنها فقط صراع الحرية والاستبداد، صراع المركز العصبوي المستبد والأطراف المضطهدة. إنكم بهذا تتجاهلون حقيقة أن الاستبداد له جذور ضاربة في الأطراف كما في المركز، وأن مشائخ ومتنفذي ومستبدي وإقطاعيي وبرجوازيي الأطراف لهم باع أطول في العمالة والارتباط بالمستعمر والرجعية، وأخيراً الصهيونية، من نظرائهم في المركز، وأن مدعي محاربة المركز المقدس أغلبهم كانوا إلى ما قبل انتفاضة أيلول يمثلون مركزا عصبويا عسقبليا هيمنت من خلاله قبيلة واحدة على السلطة والبلاد لما يقارب الـ50 عاماً، وأن هؤلاء هم من قامت ضدهم في الأصل الانتفاضات الشعبية الثلاث: الحركة الجنوبية، و11 فبراير، و21 أيلول. لهذا ننصحكم ألا تقعوا في فخ تبسيط المشهد وتبسيط لوحة الواقع الاجتماعي السياسي المعقد.
وثالثا: الكتابة يجب أن تفضح الانتهاكات -من كل نوع- التي تسببها الحرب ضد المدنيين، وكل مجاميع من أي طرف قد تتورط فيها بدون تحوط أو مسؤولية ومراعاة قواعد الاشتباك أو تتورط فيها جراء تعمد ارتكاب الانتهاك أو الجريمة عن قصد، فهؤلاء ينبغي كشف تصرفاتهم الرعناء وردعهم وإيقافهم ومحاسبتهم.
ورابعاً: الكتابة يجب أن تركز على وسائل تحقيق التقارب والتفاهم، وكيف نقنع السياسيين بضرورة الذهاب إلى الحوار الوطني بين مكونات البيت اليمني من دون تدخلات خارجية، وكيفية الوصول إلى خارطة طريق نحو السلام مقبولة من جميع الأطراف تحفظ ماء الوجه وفيها قدر من التنازلات، ولكن لا تفريط فيها بالثوابت الوطنية ولا تنازل فيها عن الأهداف الثورية للنضال الشعبي ولا سماح فيها بعودة قوى النظام السابق للهيمنة والاستئثار بالحكم مجدداً، مثلما لا جنوح فيها نحو الانتقاص من حق أي طرف في المشاركة في عملية التنافس الديمقراطي على الحكم. هذا الانتقاص لو حدث لا سمح الله قد يفتح مرة أخرى بعد سنوات باباً جديداً للصراع أو دورة جديدة للصراع السياسي الدموي الشعب في غنى عنها، لأنه أحوج ما يكون للدخول في عهد جديد عنوانه الاستقرار وإعادة الإعمار والتنمية تحت عنوان مهم جداً هو: "الشراكة الوطنية".
ونحن في ظل أوضاع الحرب المأساوية لا ينقصنا كتاب وصحفيون يحرضون على الكراهية والاستمرار في الاقتتال والتطاحن، ويوظفون كل أدوات التفسير المؤامراتي الساذج واستحضار ظروف ماض انقضى ومضى وإسقاطه على حاضر مختلف كلية عن الماضي. ومقولة "التاريخ يعيد نفسه" لا تعني أبداً أن المجتمعات هي نفسها لم تتطور ولم يحدث فيها تبدلات، وأن القوى لم تتبدل والذهنيات والبرامج والأفكار والمفاهيم والقناعات. هذا مناف لعلم التطور الاجتماعي، ووقوع مخل في تبسيطات وسذاجة المنهج البنيوي المثالي، الذي أثبت التطور العلمي الاجتماعي والوقائع التاريخية مدى تهافته ولا علميته.
ولا شك في أن العودة إلى إعمال العقل والنظر في الأمور بتجرد وموضوعية بعيدا عن رغبات الذات وأوهامها هو ما يفيد في اتخاذ الموقف الصائب تجاه مسألة الحرب. والمنطق هنا يقول: لنتحد جميعا في مواجهة نزعة استمرار الحرب، ولندعُ الجميع إلى التكاتف والتحريض ضد استمرارها وفضح من يرغبون في استمرارها.

أترك تعليقاً

التعليقات