سر أوكرانيا
 

عدلي عبد القوي العبسي

عدلي عبدالقوي العبسي / لا ميديا -
الإمبرياليون لديهم مصالحهم الاستعمارية غير المشروعة وأطماعهم الكبيرة فـي الأراضي الأوراسية، وما دفاعهم الكاذب عما يسمونه “الأراضي الأوكرانية المحتلة” في وجه الغزو الروسي إلا للتغطية على هذه الأطماع الجيوسياسية الواضحة والمكشوفة.
وهم في حربهم الجيوسياسية والطبقية الدولية ضد روسيا يرفعون شعار محاربة نظام بوتين الفاشي الذي يشكل -بحسب زعمهم- تهديدا خطيرا للديمقراطية وللأمن العالمي، وقد استطاعوا أن يضللوا عددا هائلا من المثقفين والمتابعين والمهتمين بما يدور في أوكرانيا عبر رسائل التضليل والتشويه المفبركة التي يبثونها عبر وسائل الإعلام الكبرى بأنواعها المختلفة والمنتشرة في جميع أرجاء العالم والتي هي أدوات صناعة الرأي العام العالمي.
وقد صوروا للعالم أن ما يحدث في أوكرانيا ما هو إلا غزو واحتلال روسي لأراضي دولة صغيرة جارة غنية بالثروات والموارد الطبيعية، فهو غزو مدفوع بأطماع غير مشروعة واحتلال يتم تبريره بذرائع واهية عن الأمن القومي.
لكن الأمر واقعيا ومثبتا بالأدلة ليس كذلك البتة ولا ينبغي أن ننخدع بظاهر الأحداث والمواقف والتصريحات المخادعة المضللة للغرب الإمبريالي الصهيوني الماسوني!
أولاً: يجب أن نعلم أن الحرب التي يشنها الروس في ما تسمى “أوكرانيا” هي حرب الغرض الجيوستراتيجي المحدد لها هو القضاء على النظام العالمي أحادي الهيمنة الذي تقوده أمريكا واستبداله بنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يقوم على الندية والتكافؤ والمساواة في العلاقات الدولية.
ثانياً: هي حرب وطنية جديدة للقضاء على النازية الجديدة في كييف التي تهدد أمن روسيا وتضطهد وتقتل الروس في الدونباس وغيرها.
ثالثاً: هي حرب وطنية من أجل استعادة أراض روسية تاريخية معروفة للجميع هي نوفوروسيا أو روسيا الجديدة، والتي كانت جزءا من روسيا التاريخية وجزءا من الدولة الروسية الإمبراطورية لقرون من الزمن وتضم: الدونباس وخيرسون وزابوريجيا ونيكولاييف وأوديسا، بالإضافة طبعاً إلى كرايميا (القرم)، وهي أراض تمت سرقتها للأسف (بالاحتيال الديمقراطي) إن جاز التعبير وتحت غطاء مخادع زائف من شعارات ومبادئ وإصلاحات ديمقراطية سياسية لا تنطبق على أوكرانيا، لأن أوكرانيا هي الأرض الجنوبية الغربية لروسيا وهي جزء من الشعب الروسي لا ينطبق عليها مبدأ “حق تقرير المصير للأمم” اللينيني، فهي ليست أمة أخرى كبقية الأمم المجاورة التي كانت في إطار الإمبراطورية الروسية القيصرية مثل بولندا وفنلندا.

خلفية تاريخية
أوكرانيا تاريخيا كانت جزءا مما تسمى روسيا الصغرى ونوفوروسيا، أي أنها تتشكل من (جنوب روسيا الصغرى + نوفوروسيا) بحسب ما هو معلوم في مراجع التاريخ والخرائط الروسية القديمة.
وكانت البداية التاريخية مع كييف روس، وهي مملكة قوية مزدهرة تأسست في منتصف العصر الوسيط، والتي كانت تسمى أيضاً “روثينيا” كاسم لاتيني لها، في مطالع العصر الحديث تأسست مملكة في شرقي نهر الدنيبر الذي يقسم روسيا الصغرى إلى قسمين، وهي دولة “هتمانات القوزاق” وهم محاربون فلاحون روس استوطنوا شرقي النهر، وكذلك تأسست مملكة “جاليسيا” في أقصى أراضي غرب النهر، وهي المملكة التي خضعت للاحتلالين البولندي والنمساوي على التوالي، بمعنى أنه لم يكن هناك في التاريخ دولة اسمها أوكرانيا ولا شعب اسمه الشعب الأوكراني!
أما أوكرانيا فهي دولة حديثة أسسها البلاشفة السوفييت في العام 1922 وسميت جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفييتية.
والاسم “أوكرانيا” استعمل أول مرة رسميا للتعبير عن كيان سياسي أسس في هذه الأرض وهي الدولة التي سميت “جمهورية أوكرانيا الشعبية”، والتي استمرت لسنوات قليلة إبان ما سميت “الحرب الأهلية الروسية”، وكان قادة تلك الدولة قد وعدوا الأقلية اليهودية بإعطائها الحكم الذاتي وبعض الحقوق الثقافية والإدارية، لكنهم تراجعوا بعد ذلك لكونهم شكوا في ولاء اليهود لهذه الدولة التي أسقطها الروس السوفييت في العام 1921.
في تلك الفترة حاول القوميون الأوكران في جاليسيا، وهي أراضي أقصى غرب البلاد، ومعهم بعض الدول المجاورة (بولندا والنمسا) تأسيس جمهوريات انفصالية متناثرة تابعة لها، لكنهم فشلوا بفضل انتصارات الجيش الأحمر الروسي الثوري.
البلاشفة بقيادة لينين وستالين كما قلنا هم من أسسها وصممها كحل ديمقراطي لمشكلة سكان تلك الأرض وأقلياتها المضطهدة، بخاصة الأقلية اليهودية، والتي سكنت أوكرانيا لمئات السنين، والذين هم “من أحفاد مملكة الخزر بعد سقوطها”، والذين تعرضوا لعدة مذابح طوال تاريخ سكنهم لهذه الأرض، إحداها كانت على يد القوزاق الروس في القرن السابع عشر، ومرات أخرى إبان عهد القياصرة الروس في القرن التاسع عشر، ومرة أخرى على يد الأوكرانيين القوميين إبان ما سميت “الحرب الأهلية الروسية”.
لهذا كان تأسيس أوكرانيا بمثابة حل ديمقراطي، بحسب المفهوم اللينيني لحل مشكلة القوميات والأقليات فيها، والتي عانت من الاستبداد الإقطاعي المركزي الإمبراطوري والاضطهاد المسيحي القيصري.
سرعان ما خسر اليهود في أوكرانيا أحلام نيل بعض الحقوق القومية التي كانوا وعدوا بها بفضل الثورة الروسية؛ ثورة فبراير التي أطاحت بالقيصر، وكان قد أصابهم بعض التفاؤل في قيام جمهورية أوكرانيا الشعبية (1919-1921)، لكن خاب ظنهم، لتتوالى المذابح ضدهم من قبل القوميين الأوكران.
بعدها قام الاتحاد السوفييتي بحل الجمعيات اليهودية الدينية، وأصدر قرارا بحظر الحركة الصهيونية في سائر جمهوريات الاتحاد، باعتبارها حركة عنصرية، وعلى أساس ذلك تم التضييق على اليهود كمنظمات وجمعيات سياسية، حيث تم وصفهم بالقوميين البورجوازيين، فتم حظر نشاطهم السياسي والديني والثقافي، بل وصل التضييق إلى حد منع الهجرة اليهودية إلى خارج البلاد.
ثم جاء ستالين وقام بترحيل عدد كبير من تتار القرم والذين كانوا في معظمهم من اليهود إلى أماكن بعيدة داخل الاتحاد السوفييتي.

في الحرب العالمية الثانية ارتكب النازيون الألمان وأعوانهم من القوميين الأوكران مجازر بشعة بحق اليهود الأوكران وغيرهم، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من اليهود المدنيين الضعفاء الذين لم يتمكنوا من الفرار. إحدى تلك المذابح حدثت في وادٍ خارج كييف يسمى “بابين يار”، وأصبح بعد ذلك مزارا عالميا بعد أن تم تشييد ضريح لضحايا المذبحة في المكان نفسه.
الغريب في المشهد الأوكراني اليوم هو التقاء اليهود والصهاينة مع جلاديهم القوميين، وتشاركهم السلطة والعداء المشترك ضد روسيا، الدولة العظمى التي قضت على النازية في الحرب العالمية الثانية.
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية طلب روزفلت من ستالين تسليم جزر القرم لليهود؛ لكن ستالين، الذي كان واقعا تحت تأثير فظائع الفاشية الهتلرية التي خلقت لديه مؤخرا قدرا من التعاطف مع اليهود، رفض بعد مماطلة، مدعيا أن القرم هي أرض أوكرانية لا يحق له التصرف فيها!!بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتفككه عام 1991 تنفس اليهود الأوكران الصعداء وهاجروا إلى الكيان الصهيوني المحتل، المسمى “إسرائيل”، بأعداد غفيرة، ولم يتبق منهم اليوم سوى مائة ألف يهودي فقط.

أوكرانيا الحلم “إسرائيل أوروبا” أو “إسرائيل الثانية”
وبرغم كل هذا فرح القوميون الأوكران واليهود بدولة أوكرانيا السوفييتية، التي عدّوها منطلقا لتحقيق أحلامهم المستقبلية في ما سموه الاستقلال والحقوق الثقافية وغيرها.
اشتهرت أوكرانيا في التاريخ الحديث بكونها موطنا لأقلية يهودية كبيرة العدد، بعد بولندا وروسيا، والذين تنحدر أصولهم من يهود الخزر الترك والمتهودين السلاف بعد سقوط مملكة خازاريا اليهودية في القرن العاشر. وكانت الأراضي التي تسمى أوكرانيا تمثل الجزء الغربي من مملكة خازاريا بعد توسعها غربا، وبكونها مكان ظهور المذهب الحسيدي (اليهودية الصوفية الباطنية)، وبها ضريح “نخمان”، أحد كبار الحاخامات اليهود، والكائن في مدينة أومان، والذي أصبح مقصدا سنويا لآلاف الحجاج اليهود.
ولكون أوكرانيا تحوي العديد من المعابد اليهودية الضخمة، ولكونها موطنا لأهم المجازر التي ارتكبها النازيون ضد اليهود الأوكران وفيها شيد ضريح لضحايا أهم هذه المجازر، فضلا عن الأطماع بثروة الأرض وميزاتها الجيوسياسية، ولكونها ذات مكانة في التاريخ اليهودي والجزء الأهم من مملكتهم الخزرية اليهودية القديمة، لكل هذه الأسباب أصبحت أوكرانيا محط اهتمام الحركة الصهيونية العالمية والماسونية، حيث يرى بعض المهتمين أن لدى الحركة الصهيونية رغبة في جعل أوكرانيا وطنا إضافياً واحتياطيا، وملاذا محتملا لاستقبال يهود الكيان الصهيوني الفارين من جحيم الصراع العربي الصهيوني، أو لأسباب أخرى في الهجرة العكسية المقبلة والمحتملة!!

بوابة أوراسيا
ولأن أوكرانيا كانت ومازالت قبلة الأطماع الجيوسياسية للغرب الاستعماري، وبوابة لتهديد الأمن القومي الروسي من قبل كل الغزاة الذين هاجموا روسيا عبر التاريخ، فقد عارض الكثير من الروس خطوة تأسيس أوكرانيا السوفييتية، خاصة في العصر الحالي (فلاديمير بوتين ومعه كافة الدوجينيين) الذين رأوا أن لينين، هذا القائد الثوري والمناضل والفيلسوف العملاق الذي أسس أعظم دولة في التاريخ هي الاتحاد السوفييتي، ما كان عليه أن يقدم على تأسيس أوكرانيا، وأن هذا يعد خطأ جيوسياسيا تاريخيا كبيرا وقع فيه، وهو فعلا ما يبدو من وجهة نظر الكثير من الروس تاريخيا أنه “غلطة لينين الوحيدة!”.
لأن أوكرانيا ليست كبولندا، وهو نفسه أشار إلى ذلك في العديد من مؤلفاته اعترافا منه بأن الروس والأوكران والبيلاروس هم جزء من الشعب الروسي؛ لكن بسبب من ثقته العالية بالاتحاد السوفييتي وقدرته على البقاء كدولة اتحاد عمالي كبير، وبسبب من دوافعه الديمقراطية وكراهيته الشديدة للاستبداد المركزي والاضطهاد القيصري للأقليات القومية التي سكنت أوكرانيا وسائر أراضي الإمبراطورية، أقدم على ذلك مدفوعا برومانسية ثورية ولاعتبارات معينة وحسابات نستطيع استنتاجها من طروحاته النظرية القيمة حول المسألة القومية وحق الأمم في تقرير مصيرها!! مع أنه أشار في تلك الكتابات إلى أن الأوكران والبيلاروس والروس هم جميعا ينتمون إلى الأمة الروسية.

المخطط الإمبريالي الأطلسي الجيوسياسي بخصوص روسيا وتوراسيا
في المخطط الاستراتيجي الغربي الأطلسي الماسوني حول روسيا توجد سياسة تطويق ومحاصرة ليس الاتحاد الروسي فقط، بل والدوائر الأكبر التي يشكل نواة لها، كالاتحاد الأوراسي وأوراسيا الكبرى التي تضم سائر أجزاء: آسيا الصين وكوريا والهند الصينية والهند وإيران وأفغانستان وآسيا الصغرى (تركيا) وأرابيا، محاصرة وتطويقا والتفافا تماما كما يفعل ثعبان الأناكوندا.
وفي الاستراتيجية الروسية والصينية المضادة لهذا المخطط الاستعماري الماسوني الشيطاني تم اعتماد سياسة مضادة هي سياسة تقطيع الأناكوندا، وهو ما يفعله الروس حاليا في أوكرانيا وسوريا وتركيا وإيران وأفغانستان وغيرها، وما يفعله الصينيون في إندونيسيا وماليزيا وتايوان وجزر سليملن وسريلانكا وبوتان وبنجلاديش ونيبال وميانمار وتايلاند وأفغانستان وباكستان وإيران، ولم يبق سوى التمدد الجيوسياسي الأوراسي في بقية دول أرابيا؛ الخليج والعراق والأردن واليمن، وهم مازالوا يتحركون ببطء شديد وحذر وربما تأجيل موعد التحرك والتمدد سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا وأمنيا فيما يخص أرجاء إقليم أرابيا.
أوكرانيا هي ضربة المعلم في سياسة تقطيع الأناكوندا الغربية الأطلسية الماسونية الشيطانية، وروسيا بمساعدة حلفائها قد قررت اقتلاع هؤلاء البرابرة الأطلسيين الغربيين وأذنابهم الأوغاد من كييف وتحرير الشعب الروسي في أوكرانيا كلها من شرهم وجبروتهم وخيانتهم.

مرة أخرى نقول كتنبيه للرومانسي الليبرالي الواهم والغافل إن روسيا بوتين في مواقفها وسياساتها وتوجهها فيما يخص المسألة الأوكرانية على صواب؛ لأنها طالبت باستعادة أراضيها التاريخية التي حولها الأعداء الإمبرياليون وأذنابهم النازيون إلى منطقة تهديد للأمن القومي الروسي ومنطقة حرمان لروسيا من أراضيها البحرية التاريخية الاستراتيجية الهامة (نوفوروسيا)، لأنها طالبت بما سمته “العدالة التاريخية”.
والغرب الإمبريالي الماسوني المكابر الطامع المعتدي لا يكترث لحقوق الإنسان في أوكرانيا ولا لمصالحها كدولة جارة، ولا لأي تداعيات كارثية على أوروبا، وما يهمه هو تحقيق أطماعه ومصالحه غير المشروعة وأحلامه المجنونة في الهيمنة على سائر أقاليم العالم. وما يخيفه ويقلقه ويجعله مسعورا تجاه أوراسيا والصين والمشرقيين المقاومين هو خوفه من فقدان الهيمنة العالمية (وهي التي فقدها بالفعل منذ سنوات).
لماذا يتعاطف سكان الشرق والجنوب في العالم مع روسيا الدوجينية؟ لأن الشعوب وطلائعها الحرة تلمس حقيقة أن روسيا ليست دولة إمبريالية، وأن روسيا لا تكتمل فيها ولا تنطبق عليها صفات الدولة الإمبريالية، ولأنها تتعرض تاريخيا لموجات من الغزو والتهديد الإمبريالي الغربي، وهي ربما السادسة منذ حرب القرم المشؤومة.
ونقول أيضاً: روسيا ليست فاشية، لأنها طوال تاريخها الحديث كانت تحارب الفاشية بمختلف تلاوينها، وهي الآن تحارب الفاشية بالفعل، تحارب عدة جبهات فاشية في آن معا، تحارب الفاشية البانديرية في أوكرانيا وتحارب الفاشية الأطلسية الغربية وتحارب الفاشية الصهيونية الماسونية.
ودفاعا عن الدوجينية نقول إنها خطوة متقدمة تخطوها الشعوب الطرفية ودولها الوطنية الناهضة المتحدة في اتحاد كبير على طريق الفكاك من هيمنة المركز الإمبريالي الغربي الأطلسي.
جاءت الدوجينية كرد فعل تاريخي حضاري مشرقي ضد الهجمة الغربية الإمبريالية الليبرالية الجديدة الصهيونية الماسونية على روسيا، وهي موجة الهجوم الغربي ذاتها التي بدأت مطلع التسعينيات والتي تسببت في تفكيك الاتحاد السوفييتي العظيم وإضعاف روسيا وتقويضها من الداخل وإفقار شعبها ونهب ثرواتها ثم قضم محيطها الأوراسي من الدول المجاورة وضمها إلى منظماته الإمبريالية كحلف الأطلسي وغيره.
لهذا فإن الدوجينية كحركة فكرية ممانعة، والبوتينية معها كحركة سياسية تسترشد بها وتمثل تطبيقا عمليا خلاقا لها، قررت إيقاف المسار التآمري الإمبريالي الماسوني الغربي وإنقاذ روسيا ومعها سائر أوراسيا، وقامت بلملمة الأوضاع الداخلية وتوحيد الجبهة الداخلية الوطنية، والبداية كانت بالتخلص من الأوليجارشية اليهودية الماسونية الفاسدة التي كانت قد بدأت تسيطر على قطاعات من الاقتصاد والإعلام ومدت نفوذها إلى دوائر الدولة الروسية في التسعينيات!
ثم شرعت البوتينية بالاتجاه شرقا وقامت بتأسيس المنظمات الشرقية الأوراسية الممانعة للغرب، كـ”منظمة شنغهاي” للتعاون وتجمع “دول بريكس” ومنظمة “الأمن الجماعي”، ثم تأسيس الاتحاد الأوراسي، وعملت على تحديث روسيا في كافة المجالات وتمكنت من اللحاق بالغرب في المجالات التكنولوجية الجديدة ونجحت في تحديث وتطوير الجيش الروسي حتى أوصلته إلى مرتبة أقوى جيش في العالم.

الجنون الإمبريالي الحاقد على روسيا
هؤلاء الأشرار في الغرب الإمبريالي الأطلسي لم يطيقوا النهج الجديد الأوراسي الدوجيني الذي يعني إفشال كل طموحاتهم في السيطرة على روسيا وتطويقها وتفكيكها ومن ثم يسهل عليهم الاستيلاء على ثرواتها ومواردها الطبيعية الهائلة التي تشكل ما يقارب 50% من موارد العالم الطبيعية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأراضي القطبية الثلجية التي ستتحول عما قريب إلى سبب إضافي لرغبة الغرب الإمبريالي الشيطاني في التهام روسيا، فبدؤوا على الفور بممارسة كافة أنواع الضغوط على روسيا، بل وشن مختلف أنواع الحروب ضدها، مستخدمين كافة أساليب حروب الجيلين الرابع والخامس!
وهذا ما دفع روسيا البوتينية منذ بداية ظهورها، أي منذ مطلع الألفية الجديدة كما قلنا، إلى تطوير نفسها في جميع المجالات وتأمين نفسها واستعادة زمام المبادرة وقصب السبق في سباق التسلح.
كانت روسيا عبر تاريخها قبلة للأطماع الاستعمارية؛ المغول والبولنديين والعثمانيين والسويديين والألمان والفرنسيين، وأخيراً البريطانيين والأمريكان، وخاضت حروبا شرسة للدفاع عن أرضها ضد الغزاة وألحقت بهم جميعا هزائم نكراء.
والآن هي تقرر بعزم وقوة وثقة أن الهجوم الإمبريالي الأطلسي الأخير يحتاج إلى رد فعل تاريخي من نوع آخر؛ يحتاج إلى تغيير العالم الراهن بمجمله وتغيير نظام هذا العالم وإنشاء عالم جديد متعدد الأقطاب، وإن فشلت هذه المهمة (وهي الآن قاب قوسين أو أدنى من انتصارها) إن فشلت هذه المهمة التي تعني حماية روسيا والحفاظ عليها، إن فشلت فهذا يعني -حسب المعادلة الدوجينية- أنه لا ينبغي أن يبقى العالم على قيد الحياة بدون روسيا، وحسب مفهومه روسيا هي ضمير العالم، وتدمير روسيا يعني نهاية العالم ونهاية الحضارة البشرية.
هذا القول لا يفهم على أنه نزعة شامشونية عدمية أو تهور وجنون فاشي، لأنه لا إمكانية لحدوثه، لأن العدو لن يجرؤ على الذهاب بعيدا وتجاوز الخطوط الحمراء، بسبب من أسلحة الردع النووي، وأيضاً بسبب من الإمكانات الهائلة التي يضمها المعسكر الشرقي الكبير والضخم والذي لا مثيل له في التاريخ.
نقول ليس تهورا وجنونا بقدر ما يعني الردع النفسي وتحذيرا شديد الأهمية، مفاده أن الحضارة الإنسانية لا تستقيم مع هيمنة غربية إمبريالية ماسونية كاملة على العالم، وأن ابتلاع روسيا ومن ثم أوراسيا التي هي قلب العالم، يعني ابتلاع العالم برمته!
والخبرة التاريخية والمنطق العلمي يقول إن الغرب الإمبريالي الصهيوني الماسوني الآن يضع البشرية على حافة الاختيار المروع: إما البربرية وإما الموت، ولا بد من عملية تاريخية تقوم بتصويب المسار إنقاذاً للبشرية.

أترك تعليقاً

التعليقات