أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
تسارعت الأخبار خلال الأيام القليلة الماضية، عن إجراءات "إسرائيلية" في منطقة الجولان السوري المحتل، وعن خطط لفتح الجبهة السورية. وذهبت بعض الأخبار للحديث عن غزو "إسرائيلي" وشيك للأراضي السورية.
استندت هذه الحملة الإعلامية إلى قيام "إسرائيل" بإجراءات لوجستية في منطقة الجولان، عززتها بصور وفيديوهات، لآليات "إسرائيلية" تقوم بعمليات تجريف ورفع سواتر ترابية، وعن أخبار لم يتم التأكد من صحتها، عن قيام الكيان الصهيوني بنزع الألغام في خط الجبهة الفاصل مع سورية.
كما عززت هذه التقارير أقوالها بتصريحات للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن مخاطر احتلال الكيان الصهيوني لدمشق على الأمن القومي التركي.
فما هي حقيقة الأوضاع على الخط الفاصل بين سورية وكيان العدو؟ وما هي مدى دقة هذه الأخبار؟
كانت صحيفة "لا" قد قامت، قبل حوالى العام، بزيارة لمنطقة الجولان، وأجرت استطلاعاً ميدانياً هناك، بحثت في حقيقة هذه الأخبار، وفق الوقائع الميدانية والخرائط التي تفصل بين الجانبين، وإمكانية قيام الكيان "الإسرائيلي" بغزو للأراضي السورية، بغض النظر عن حجمها وشكلها، وتبين لمراسل الصحيفة أن الكيان الصهيوني، وبعد تطورات الأوضاع في شمال فلسطين المحتلة، وفشله حتى الآن في تحقيق أي خرق للجبهة اللبنانية، وتلقيه عدة ضربات مؤلمة على يد المقاومة اللبنانية، يحاول ترويج صور انتصار وسيطرة على الأوضاع الميدانية، فقام بتزويد وسائل الإعلام، وخاصة العربية المروجة للرواية "الإسرائيلية" للأحداث، وفي مقدمتها قناتا "العربية" السعودية و"الجزيرة" القطرية و"سكاي نيوز عربية" الإماراتية، بالإضافة إلى مواقع إخبارية وقنوات على اليوتيوب وإعلاميين وبعض أطراف المعارضة السورية، بأخبار وتقارير وفيديوهات تُظهر قواته وهي تقيم سواتر ترابية عالية وتفتح خنادق دفاعية وتغطيها بدشم رملية، وخاصة في المنطقة حول مدينة القنيطرة المحررة.
وروّجت هذه القنوات للرواية "الإسرائيلية" وقالت بأن قوات العدو دخلت مناطق في الجزء الخاضع للسيطرة السورية في الجولان، وروّجت أن مدينة القنيطرة على وشك السقوط بيد القوات "الإسرائيلية" من جديد.
وكان لافتاً أن هذه القنوات شنت بعد ذلك حملة ذهبت فيها إلى أبعد من القنوات العبرية، وتحدثت عن سيناريوهات وخطط جاهزة لغزو دمشق، وأن القوات "الإسرائيلية" على بعد ساعات فقط من ساحة الأمويين في قلب دمشق، وأن احتلال دمشق يتم خلال ساعات وأيام قليلة.
في الوقائع على الأرض، وبالاستناد إلى ما يجري، وما قام به العدو، وما توضحه الخرائط، وتحديداً التي تعتمدها قوات الفصل على جبهة الجولان، التابعة للأمم المتحدة "الأندوف"، يظهر كذب الروايات "الإسرائيلية" وحجم التضليل والكذب الذي تتبعه بالاعتماد على وسائل الإعلام العربية المروجة لروايتها.
وبالاستناد إلى الخريطة المرفقة التي تعتمدها قوات "الأندوف"، يظهر ما يلي:
- الخط الأصفر هو خط "برافو".
- الخط الأحمر هو خط "ألفا".
- المنطقة بين الخطين هي منطقة منزوعة السلاح، تابعة لسيطرة قوات "الأندوف" الأممية.
حسب اتفاقية فض الاشتباك، التي تم توقيعها عام 1974، يمنع على الجيش السوري والجيش "الإسرائيلي" نشر أسلحة ثقيلة أو متوسطة في المنطقة منزوعة السلاح، ويسمح بإقامة دشم وتحصينات دفاعية، ومد أسلاك شائكة، وهي المنطقة التي دخل إليها جيش العدو "الإسرائيلي"، وأقام فيها إجراءاته اللوجستية، والتي لم تتجاوز ما هو مسموح به، ضمن اتفاقيات فض الاشتباك.
وتؤكد الوقائع على الأرض أنه لا يوجد أي توغل بري "إسرائيلي" بعد خط "برافو" ولو لمسافة 1 سم، ولم تقم القوات "الإسرائيلية" بأي خرق لاتفاقية فض الاشتباك.
وهذه الإجراءات تتم تحت أعين قوات الأندوف، التي كانت ستصدر بيانات توضيحية، لو كان هناك أي اختراق لاتفاقيات فصل القوات.
كما توجد في المنطقة عدة نقاط مراقبة للجيش الروسي، التي أنشأتها بعد دخول روسيا إلى سورية في العام 2015.
كما أن قوات الجيش العربي السوري متواجدة في مواقعها، وهي تراقب تحركات العدو وترصدها، ولديها الأوامر والصلاحيات، بفتح النار فوراً، عند أي تجاوز "إسرائيلي" للحدود، حسب الاتفاقيات الدولية.
بالتأكيد الإجراءات "الإسرائيلية" لم تأتِ من فراغ، وهي متعلقة بالقتال الدائر في شمال فلسطين المحتل، حيث تقع المنطقة على مثلث الحدود السورية - اللبنانية - الفلسطينية، وهي على تماس مباشر، مع نقاط الاشتباك بين المقاومة اللبنانية وقوات العدو "الإسرائيلي" وتعتبر منطقة الجولان السوري المحتل، الخط الأسهل، سواء لتنفيذ هجوم من المقاومة اللبنانية، نحو فلسطين المحتلة، والالتفاف على القوات "الإسرائيلية" المتقدمة، وضربها من الخلف، أو للعدو "الإسرائيلي" في حال قرر القيام بعملية غزو بري واسع، على الجبهة اللبنانية، وعليه يقوم ببناء تحصينات دفاعية بحتة.
أما تباكي أردوغان على دمشق فلا يقل كذباً ونفاقاً عن نتنياهو، لأن تركيا تحتل من الأراضي السورية أكثر مما تحتل "إسرائيل" في الجولان، والخطط والأطماع التركية في سورية والعراق، وفي كل المنطقة العربية، لا تقل خطورة عن الأطماع والمخططات الصهيونية، باعتبار أن العدو "الإسرائيلي" خطر مؤقت ويسير نحو الزوال، أما تركيا فهي خطر دائم، بحكم الجغرافيا والأطماع والمصالح.
أما ادعاء أن الخطوط مفتوحة أمام القوات "الإسرائيلية" لتنفيذ غزو للأراضي السورية فهو أعقد وأصعب بكثير مما يعرفه ويتوهمه العدو وأدواته ووسائل الإعلام الأعرابية المساندة له، وفيه تجاوز للكثير من الخطوط الحمراء للصراع، ليس فقط في المنطقة، وإنما في خطوط التماس، الممتدة من بحر الصين إلى أوكرانيا، والصمت السوري لا يأتي من ضعف، وإنما مما تراه غرفة عمليات المقاومة، للمواجهة مع العدو الصهيوني، والتي يجمع المراقبون على أنها طويلة ومتدرجة، وبالتالي هي تحتاج إلى إرادة قوية وإدارة ذكية وعقل بارد، وميدان الفصل فيه لما نراه لا لما نسمعه.

أترك تعليقاً

التعليقات