ماذا حدث في حلب؟!
 

أحمد رفعت يوسف

دمشق/ أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
أسئلة كثيرة فتحتها التطورات المتسارعة في حلب، ليل الجمعة السبت.بسرعة غريبة، تهاوت معظم أحياء حلب بيد المجموعات المسلحة المدعومة من تركيا. حلب، التي صمدت على مدى عدة سنوات بعد عدوان 2011 على سورية، وكانت بوابة فشل العدوان عليها، سقطت خلال عدة ساعات فقط، وحتى السجن المركزي في المدينة، الذي كان أحد أساطير الصمود خلال دخول المسلحين إليهافي عدوانهم الأول، سقط هذه المرة بدون أي مقاومة. أسئلة كثيرة، فتحتها هذه التطورات المتسارعة.
• كيف سقطت المدينة بهذه السرعة؟
• هل تم تسليم المدينة بتواطؤ، أو بتعاون من جهات فاعلة داخلها؟
• أين قوات الأمن والشرطة ووحدات الجيش والقوات الرديفة الموجودة في المدينة وفي أريافها؟ وأين التعزيزات التي جاءت إلى حلب لردع العدوان على ريفها الغربي، فإذا بهذا الريف كله يسقط، ومعه معظم مدينة حلب، خلال فترة قياسية؟
•ما هو دور تركيا؟
•أين روسيا مما حدث؟ وأين إيران؟
وهناك أسئلة أكبر تقول: هل ما حدث في حلب يعتبر مؤشراً إلى وجود مخطط إقليمي ودولي للتغيير السياسي في سورية؟
هذا السؤال عززته الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى موسكو، ولقاؤه الرئيس بوتين، يوم الخميس الماضي. وكان لافتاً في اللقاء عدة أمور.
فالرئيس بوتين أبدى امتعاضه من عدم تنفيذ الاتفاقات الاقتصادية والتجارية التي وقعت بين البلدين، حيث نوه -وفق البيان الرسمي الصادر عن الكرملين عن اللقاء- بأن الطرفين سيبحثان العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا وسورية، لافتا إلى أن هناك الكثير من القضايا والأسئلة المطروحة حولها.
كما رفض المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بعد يوم واحد من اللقاء، التعليق على الأخبار التي تحدثت حول وجود الرئيس الأسد في موسكو.
كما كان لافتاً أن صفحة رئاسة الجمهورية السورية على التلغرام لم تنشر خبر لقاء الرئيسين الأسد وبوتين.
التفسير الوحيد من جانب الدولة السورية لما حدث ورد من خلال البيان الصادر عن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، والذي اعترف بسيطرة المجموعات المسلحة على «أجزاء واسعة من أحياء مدينة حلب»، وقال إن «الأعداد الكبيرة للإرهابيين، وتعدد جبهات الاشتباك، دفعت بقواتنا المسلحة إلى تنفيذ عملية إعادة انتشار هدفها تدعيم خطوط الدفاع، بغية امتصاص الهجوم، والمحافظة على أرواح المدنيين والجنود، والتحضير لهجوم مضاد».
وأكد البيان أن هذا الإجراء الذي اتخذته القوات السورية مؤقت، و»ستواصل عملياتها، والقيام بواجبها الوطني، في التصدي للتنظيمات الإرهابية، لطردها واستعادة سيطرة الدولة ومؤسساتها، على كامل المدينة وريفها».
كما كان لافتاً أن وكالة «رويترز» نقلت عن مصدرين عسكريين سوريين أن روسيا سترسل أسلحة نوعية إلى قاعدة حميميم الروسية، قرب ميناء اللاذقية على الساحل السوري، خلال الـ72 ساعة القادمة.
وفي مواقف الدول المعنية، قال المتحدّث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن «ما يحصل في حلب انتهاك لسيادة سورية، وبلادنا تدعم الحكومة السورية في استعادة الأمن في المنطقة، وإعادة النظام الدستوري».
أما وزير الخارجية التركي فقد حاول النأي ببلاده عن المسؤولية عن هذه التطورات، وأعاد الكلام الدبلوماسي حول تأييد بلاده لوحدة سورية.
وبدورها أعلنت طهران تأييدها للدولة السورية، وقال مستشار قائد حرس الثورة، العميد حسين دقيقي: «سيتم قطع أيادي الأعداء في سورية».
كما أعلن العديد من فصائل المقاومة استعدادها للمشاركة مع الجيش السوري في ردع العدوان.
ما يجري من تطورات متسارعة في حلب، وعموم سورية، لا يمكن فصله عن التطورات في فلسطين المحتلة ولبنان، وخاصة بعد تهديد رئيس حكومة العدو الصهيوني، بنيامين نتنياهو، بأن «سورية تلعب بالنار وستدفع الثمن».
كما لا يمكن فصله عن الجبهة الأوكرانية، حيث شارك ضباط استخبارات أوكرانيون في الاجتماع الذي ضم ضباط استخبارات من فرنسا وتركيا، قبل العدوان، وجرى خلاله الإعداد للعدوان وتوزيع الأدوار على المجموعات المسلحة، مع حديث عن وجود ضباط أوكرانيين مع هذه المجموعات، وتزويدها بطائرات بدون طيار.
أهمية مدينة حلب لا تتأتى فقط من كونها المدينة الثانية في سورية، وعاصمتها الاقتصادية، وإنما من كونها تحتل موقعا استراتيجيا، وتعتبر أحد أهم المفاتيح الرئيسية لمنطقة الشرق كله.
ولتوضيح هذه الأهمية، نشير إلى أن معركة «مرج دابق» قرب حلب عام 1516 بين العثمانيين والمماليك، والتي انتهت بانتصار العثمانيين، فكان هذا الانتصار بوابة العثمانيين للسيطرة على كل مدن بلاد الشام والمنطقة العربية، بدون قتال، وكان فاتحة لنشوء الإمبراطورية العثمانية، وهو ما حاول أردوغان استعادته من خلال دوره في العدوان على سورية عام 2011، ليكون فاتحة للعثمانية الجديدة، التي حلم بها، وعندما فشل في تحقيق هدفه بالسيطرة على المدينة، انهارت أحلام العثمانية الجديدة.
تطورات متسارعة، وأسئلة غامضة تنتظر الإجابة عليها، ولا بد من الانتظار عدة أيام حتى تنجلي الأمور، وتعرف بعض هذه الإجابات، وكيف ستسير هذه التطورات.
فهل سيقوم الجيش السوري بتطويق تقدم المجموعات المسلحة وإخراجها من مدينة حلب؟ أم أن هذه المجموعات ستواصل تقدمها للسيطرة على مناطق جديدة؟
معركة حلب لم تنته؛ لكنها فتحت جروحاً وأسئلة لن تنتهي أيضاً، وتبقى الأمور مرهونة بما سنشهده من تطورات بعد هذه المعركة، وكيف ستكون نتائجها، ومن سينتصر فيها سيكون له الدور الرئيسي في رسم خرائط غرب آسيا كله.

أترك تعليقاً

التعليقات