أحمد رفعت يوسف

دمشق  - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -

تحدثنا سابقاً في "صحيفة لا" بأن الكيان الصهيوني يخشى من انضمام اليمن إلى قائمة الدول المقاومة ضده، وأن اليوم الذي سيتلقى فيه ضربة يمانية لن يكون بعيداً، وهاهي الأحداث تؤكد ما ذهبنا إليه.
بين نيوم، حيث عقد لقاء الذل الذي جمع بنيامين نتنياهو رئيس حكومة العدو الصهيوني ومحمد بن سلمان ولي عهد بني سعود بحضور مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي، والصاروخ اليماني المبارك على منشآت أرامكو في جدة والعدوان الصهيوني على موقع في ريف دمشق، خيط من الدم والكرامة سيرسم معالم المنطقة بكاملها.
كل ما يجري في المنطقة يؤكد أننا دخلنا مرحلة فرز المواقف وتحديد تموضع كل دولة وكل نظام وكل طرف، وهي المرحلة التي تسبق تحديد موازين القوة والقوى في المنظومة الإقليمية والدولية التي تتشكل وستحكم العالم بشكل مباشر لقرن مقبل من الزمن على الأقل، مع تغير جذري في تموضع مراكز الثقل والقوة التي تتحكم بالعالم وتقود الحضارة البشرية، والتي تنتقل بشكل متسارع من ضفتي الأطلسي إلى الحضارات الشرقية القديمة برأسيها الروسي الصيني مع بروز كبير لقوى إقليمية في مقدمتها إيران، وسيكون من معالم هذه المنظومة إحياء الروح الحضارية اليمانية الشامية التي تم تغييبها على مدى عدة قرون لصالح الأعراب من أجلاف الصحراء.
في لقاء نيوم وما رأيناه قبله من مشاهد التطبيع الإماراتي البحريني وغيره مما ظهر وما لم يظهر بعد، خرج إلى العلن ما كان يجري تحت الطاولة وخلف الكواليس وفي الغرف السرية، وتم الكشف عن الأنظمة التي كانت تشكل الأداة الضاربة للصهيونية العالمية والكيان الصهيوني داخل البيت العربي والتي أوصلت الأمة إلى ما هي عليه الآن.
اللقاء بالتأكيد لم يكن لتبادل التحايا وكلمات الإعجاب والتعاطف بين نتنياهو وابن سلمان، فهذا مما كان معروفاً بين الكيان الصهيوني وبني سعود منذ ولد الاثنان كتوأم بمشيمة واحدة للصهيونية العالمية، لكنه كان من المسكوت عليه بسبب الظروف الإقليمية والدولية وتوازنات القوى وعمليات التمويه والتضليل التي ترافق أي مشروع سياسي أو ترافق ولادة كيانات أو أنظمة وظيفية كالكيان الصهيوني وبني سعود.
كما لم يكن لقاء نيوم لبحث التعاون في كل المجالات، فهذا لم يتوقف يوماً بين الجانبين، وإنما كان اللقاء نتيجة لشعور الطرفين ومن معهما بالخوف والرعب من التطورات الاستراتيجية العميقة التي تشهدها المنطقة، والتي ستطيح بكليهما وتنهي وظيفتيهما ودورهما ليصبحا من دروس التاريخ.
فبلاد الشام لا تتسع لسورية والكيان الصهيوني، ويجب أن يموت أحدهما ليحيا الآخر. وما رأيناه في سورية على مدى عشر سنوات من أشرس وأقذر حرب تشن في التاريخ على شعب مسالم وبلد صغير كسورية كان لتحيا "إسرائيل"، أما وقد صمدت سورية وتقترب من إعلان الانتصار فهذا يعني تلقائياً الموت الأكيد للكيان الصهيوني.
وفي شبه جزيرة العرب الكل يعرف وصية كبير بني سعود بأن موتهم يأتي من اليمن، فكانت وصيته بأن يبقى اليمن فقيراً وممزقاً، وجاء عدوان ابن سلمان ليقضي على أي أمل بيمن آمن ومزدهر. أما وقد صمد اليمن ويقترب من إعلان الانتصار على عدوان بني سعود فهذا يعني الموت الأكيد لهذا النظام.
لم يكن لقاء نيوم ومشاهد التطبيع المتسارعة إلا محاولة صهيونية سعودية يائسة لوقف مسار الانتصار السوري (الشامي) ـ اليمني، لأن فيه الموت الزؤام لهما. لكن كل ما فكرا به وما يحاولان إنجازه قبل حسم المواقف ولحظة الحساب أفسده الصاروخ اليمني على منشآت أرامكو في جدة، والذي قرأه الصهاينة بشكل صحيح بأنه يستهدف كيانهم قبل كيان بني سعود، وأن اللحظة التي سيرون فيها الصواريخ اليمنية تشارك بقية صواريخ حلف المقاومة وهي تدك كيانهم وعرش بني سعود لم يعد بعيداً.
في خطوة يائسة وبائسة حاول نتنياهو من خلال عدوانه على موقع في ريف دمشق توصيل رسالة كتبت على عجل وبأيدٍ مرتعشة وقلوب خائفة لتكون رداً على الصاروخ اليمني على أرامكو جدة، لكن الرسالة ضلت العنوان والهدف، وهو يدرك أن مثل هذه الرسائل البائسة لن تغير قيد أنملة في خارطة الصراع، وهو يدرك أن القيادة السورية المنشغلة بالقضاء على آخر ما تبقى من جيش التوحش الوهابي الإخواني لن تنجر إلى مواجهة يحدد "نتنياهو" زمانها ومكانها وأهدافها، خاصة وأنها لا تغير في موازين القوى وخارطة الصراع، لكن رسائل بالجملة تصل إلى قادة العدو بأن كل شيء مسجل في حساب مفتوح لحين يتم الرد بالجملة على كل عدوان شنه الكيان الصهيوني على أي بقعة جغرافية من سورية.
ومن يعرف أن قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني، اللواء إسماعيل قاءاني، كان في بيروت ودمشق خلال تلك الفترة نفسها، ومنها انتقل إلى بغداد، يدرك ما نتحدث عنه.
بين لقاء الذل في نيوم وصاروخ جدة اليماني والعدوان على ريف دمشق تأكيد بأن خيط الدم والكرامة الممتد من دمشق إلى صنعاء مروراً ببروت وبغداد وكافة عواصم المنطقة هو خيط واحد، لكنه يؤكد أيضاً أن زمن الخوف من الانهيار والخسارة انتهى، ونحن في زمن تأكيد الانتصار (الشامي اليماني) تمهيدا لإعلانه قريباً، وعندها سنكون أمام منطقة عربية جديدة ستكون مختلفة اختلافاً جذرياً عما هي عليها الآن، جغرافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وسيكون هذا الانتصار فاتحة عصر عربي جديد يضع العرب أمام نهضة انتظرناها طويلاً.

أترك تعليقاً

التعليقات