هوكشتاين بين زيارتين
- أحمد رفعت يوسف الثلاثاء , 29 أكـتـوبـر , 2024 الساعة 7:29:58 PM
- 0 تعليقات
دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
في المقارنة بين زيارتي المبعوث الأمريكي، عاموس هوكشتاين، الأولى والثانية، إلــى العاصمة اللبنانية بيروت، يمكن أن نقرأ الكثير من تفاصيل ما يجري والمسار الذي يأخذه الميدان.
فـي المرة السابقــــة، جاء هوكشتاين على وقع الضربات الصعبة التي وجهها الكيان الصهيوني للمقاومة اللبنانية، بعد تفجيرات أجهزة البيجر، واغتيال القادة السياسيين والميدانيين للمقاومة، وفي مقدمتهم السيد حسن نصر الله.
يومها، توقع هوكشتاين، ومن خلفه نتنياهو والإدارة الأمريكية وأنظمة التطبيع، أن حزب الله انهار، وأصبحت الفرصة سانحة لفرض الشروط، فجاء يفاوض تحت ستار تطبيق القرار (1701)، مع تعديلات تحمل إضافات أبسط ما يقال عنها إنها تطلب الاستسلام الكامل للمقاومة، ووضع لبنان تحت الوصاية «الإسرائيلية»، وبدون شروط.
بالتأكيد لا يستطيع أحد إعطاء هوكشتاين الموافقة على الطلبات «الإسرائيلية»، خاصة وأن حزب الله كان له رأي مختلف، ويعمل على ترميم صفوفه، وعندما فشل هوكشتاين في مهمته خرج بتصريحه المبني على توهماته وتوهمات نتنياهو، وقال إن «القرار (1701) انتهى، واللغة الآن للميدان».
بعد كلام هوكشتاين هذا، كان المتوقع لديهم أنه لن يعود إلى بيروت مرة ثانية إلا والمقاومة مستسلمة وموافقة على ما طرحه من شروط لوقف العدوان «الإسرائيلي». لكن الأوضاع سارت بشكل مختلف عن لحظات الشعور التي عاشتها حكومة نتنياهو بوهم الانتصار، الذي تبدد سريعاً، وجرت عدة تطورات غيّرت المعطيات التي استدعت زيارة هوكشتاين الأولى وشروطه، كان أهمها:
• تمكنت المقاومة اللبنانية، وبسرعة مدهشة، من تجاوز الضربات المؤلمة التي تلقتها، ثم بدأت تعمل ميدانياً في مسار تصاعدي أوجع الكيان الصهيوني بالعديد من الضربات التي أصبحت تطال كل الكيان الصهيوني، وخاصة عمقه الحيوي في «تل أبيب» وحيفا، والذي غيّر كل الحسابات وأكد قدرتها على الوصول إلى أي هدف داخل الكيان.
• عجز جيش الاحتلال عن التوغل البري في جنوب لبنان، وقوات المقاومة توجه لقواته المتقدمة ضربات موجعة، وتحطم دباباته ومدرعاته، وأعداد قتلاه من الضباط والجنود في ازدياد، وحكومة نتنياهو تفرض رقابة فولاذية على وسائل الإعلام لعدم نشر النتائج الحقيقية لخسائره، وبات العدو يخشى من وقوع أسرى من جنوده لدى المقاومة يضافون إلى أزمة الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، التي تؤرق حكومة نتنياهو والمجتمع الصهيوني.
• استنفدت حكومة العدو معظم الأهداف التي يمكن أن تكون استراتيجية، ولم يبقَ أمامها سوى تدمير المؤسسات والبنية التحتية وبيئة المقاومة، مع ما تحمله هذه العمليات من جر المقاومة إلى تصعيد عملياتها وتحاوز الخطوط الحمراء التي تضعها على عملياتها، مثل استهداف المدنيين، وهذا سيكون مؤثرا أكثر على الكيان الصهيوني، بسبب الطبيعة الهشة لمجتمعه وجبهته الداخلية.
أما المقاومة فلا يزال بنك الأهداف الاستراتيجية «الإسرائيلية» أمامها كبيراً، وكانت عملية ضرب منزل نتنياهو في مستوطنة قيساريا، رغم التحصينات الأمنية المتخذة حوله، رسالة كبيرة للكيان بأن المقاومة قادرة على الوصول لأي هدف تريده.
• المنطقة تعيش هذه الأيام مرحلة ما قبل الانفجار بين الكيان الصهيوني وإيران، في وضع تبدو فيه حكومة نتنياهو أمام خيارين أحلامها مُرّ؛ فإما أن تنفذ تهديدها وتوجه ضربة لإيران لتواجه بعدها رداً إيرانياً سيكون أقوى من المرة الماضية على كيان يعيش في وضع أصعب بكثير مما تحاول حكومة العدو تصويره، وإما أن تتراجع عن تهديدها وتقدم رسالة إلى المجتمع «الإسرائيلي» ولكل القوى الخارجية، في محور المقاومة أو الدول الداعمة وأنظمة التطبيع، بأنها عاجزة عن الرد، مع ما يعني ذلك من تداعيات خطيرة جداً على المسارين الميداني والسياسي للصراع.
أهم ما في الموضوع اليوم أن عمليات المقاومة اللبنانية تسير بشكل تصاعدي، وتتغير كل يوم لصالحها، وهذا يعني أن العدو سيكون في لحظة، تبدو غير بعيدة، أمام وضع ميداني قد يكون صعبا جداً.
هذه التطورات أوصلت رسالة إلى حكومة العدو وهوكشتاين، بأن المقاومة ليست في وضع متراجع، وعملياتها في مسار تصاعدي لغير صالح الكيان الصهيوني، وأن نتائج الميدان ليست طوع أيديهم، ونتائجه لا تعطي حكومة نتنياهو إمكانية فرض شروطه.
وسط هذه الأجواء المختلفة كثيراً عن أجواء الزيارة الأولى، جاء هوكشتاين في زيارته الثانية إلى بيروت، في محاولة منه لاستثمار الوقت قبل تبخر كل إنجازات حكومة نتنياهو، وقبل أن تتمكن المقاومة من استعادة كامل قوتها وقدرتها على توجيه ما كان يعد به سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، وقبيل انفجار الوضع بين الكيان الصهيوني وإيران.
الملفت أن زيارة هوكشتاين الثانية ترافقت مع حملة في الأوساط السياسية والإعلامية المؤيدة للكيان، تقول بأن المجتمع الدولي وحكومة لبنان لا يمكن أن يوافقوا على الشروط التي تضعها حكومة نتنياهو لوقف العدوان، فاتحاً الباب بذلك على إمكانية تعديل الشروط «الإسرائيلية» وفق المسار الذي يأخذه الميدان.
الأوضاع الميدانية والسياسية تبدو اليوم على أبواب الدخول إلى مرحلة جديدة، مع التأكد بأن العدو الصهيوني اتخذ القرار النهائي بالعدوان على إيران، ومع تعافي المقاومة وعودتها لامتلاك زمام المبادرة في الميدان، وهو ما أكدته لجمهور المقاومة رسالة المقاتلين في الميدان، وما تؤكده وسائل الإعلام العبرية وتصريحات وتحذيرات كبار المسؤولين السابقين والمحللين السياسيين والعسكريين «الإسرائيليين»، وهذا سيجعل أي زيارة ثالثة لهوكشتاين إلى بيروت مختلفة عن الزيارتين السابقتين، وأهم اختلاف فيها أنها ستكون مفرغة من توهماته وتوهمات نتنياهو، بعد نشوة الانتصار التي لم تعمر طويلاً، ولكل مرحلة حساباتها، ودائماً طاولة المفاوضات تعمل على وقع الميدان.
المصدر أحمد رفعت يوسف
زيارة جميع مقالات: أحمد رفعت يوسف