أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
مع بدء العدوان الصهيوني الموسع، على المقاومة اللبنانية، وقيام المقاومة بالرد على العدوان، كثيراً ما تم استحضار اسم خبير الصواريخ السوري، الشهيد الدكتور «عزيز إسبر» الذي استشهد في الخامس من آب من العام 2018، بعملية مشتركة بين «الموساد الإسرائيلي»، والمجموعات الإرهابية المسلحة، باستهداف سيارته، بعبوة ناسفة في منطقة مصياف، بريف حماة الغربي، حيث كان يقيم.
منذ إطلاق المقاومة اللبنانية، صواريخ «فادي 1» و«فادي 2»، وقبلها صواريخ عماد، وصواريخ المقاومة الفلسطينية، كانت وسائل التواصل الاجتماعي، تضج بالحديث عن إسهامات الشهيد إسبر، في كافة ميادين المقاومة، في سورية ولبنان وفلسطين المحتلة، وكأن روحه حاضرة بيننا.
من هو عزيز إسبر؟
ولد الشهيد في قرية عين فيت، الواقعة في الجزء المحتل من منطقة الجولان، بمحافظة القنيطرة عام 1960.
درس الإعدادية والثانوية، بمدرسة أمية في دمشق عام 1978، وكان من الأوائل في تحصيل الشهادة الثانوية، وهذا ما يؤهله لاختيار ما يشاء من دراسات الطب والهندسة، وغيرها من الاختصاصات، لكنه قرر الالتحاق بالمعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا.
في عام 1981 أُوفد الشهيد إلى فرنسا، ليحصل على شهادة دبلوم هندسة الطيران، من المدرسة العليا للطيران والفضاء، في تولوز عام 1984، ومع عودته إلى سوريا، عمل في المعهد لمدة عام.
عاد «إسبر» مجدداً إلى فرنسا، ليحصل على شهادة دبلوم تخصصي، في الميكانيك الجوي -الفضائي، ومن ثم شهادة دبلوم الدراسات المعمقة، ماجستير في الميكانيك عام 1987، وبعدها شهادة الدكتوراه في ميكانيك الموائع والسوائل والغازات، بتقدير شرف عال عام 1991.
عمل الراحل في معهد بحوث الطيران بحلب، ثم استلم إدارة فرع البحث والتطوير، ولاحقاً إدارة المعهد عام 2004، وبعد عدة أعوام سُمي مديراً للقطاع (4) الذي يغطي المنطقة الوسطى والشمالية، وله العديد من المشاركات، من إعداد وترجمة لكثير من الكتب العلمية والهندسية.
إنجازات الشهيد إسبر، في مجال صناعة الصواريخ وتطويرها كبيرة، ولم تعد أسراراً، حيث كان مسؤولاً عن تصنيع الصواريخ بعيدة المدى، وقذائف المدفعية، كما عمل في مجال تطوير الأنشطة الدفاعية والأسلحة الصاروخية، وهو عالم في وقود الصواريخ.
وهذه الإنجازات، لم تتوقف على بلده سورية، وإنما شملت كافة فصائل المقاومة في المنطقة، حيث أشرف الشهيد إسبر، بشكل شخصي، على تجهيز العديد من مخازن السلاح، التابعة لحزب الله.
كما كان من المشرفين على إنتاج وتطوير صواريخ M302 وصواريخ M600 وغيرها، التي قامت وزارة الدفاع السورية، بإعطائها للمقاومة في لبنان، واستخدمتها في حرب تموز/يوليو 2006. ثم تم نقل خبرات تصنيع هذه الصواريخ، الى فلسطين المحتلة، حيث قامت فصائل المقاومة الفلسطينية، باستنساخها تحت مسميات مختلفة مثل M80 وR160.
كما شارك في برنامج تصنيع وتطوير صواريخ فاتح 110، التي تملكها الجمهورية الإسلامية في إيران، وكان الشهيد إسبر يعمل مع الخبراء الإيرانيين، على تطويرها وزيادة دقتها.
كان واضحاً أن الشهيد إسبر شكل هدفاً للكيان الصهيوني، لكن هذا الهدف، لم يكن سهلاً الوصول إليه، لولا الهجمة الإرهابية العدوانية، التي تعرضت لها سورية منذ العام 2011، حيث شكلت العصابات الإرهابية، المخلب الشيطاني للكيان الصهيوني، ولم تتوان عن استهداف البشر والحجر في سوريا، لتحقيق أهداف العدو «الإسرائيلي»، ومن خلفه المصالح الأمريكية، التي سعت للهيمنة على المنطقة، مستخدمةً بعض الأنظمة في المنطقة، أدوات لتحقيق مخططاتها وأهدافها.
كانت هذه العصابات أداة طيعة لدى أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» والغربية، وخاصة في استهداف العقول والأدمغةَ السورية، وكان لافتاً أن أول من استهدفته، خلال سيطرتها على أحياء في مدينة حمص، بوسط سورية، في بدايات العدوان، هو الشاب النابغة، عيسى عبود، الذي تم اغتياله في 18 نيسان 2011، عن عمر لم يتجاوز 27 عاما، قدم خلالها أكثر من مائة اختراع، في مختلف المجالات، وخاصة البرامج المتخصصة بالأتمتة وأنظمة الذكاء الاصطناعي، واعتبر من أهم المخترعين في العالم.
مع الصمت الرسمي «الإسرائيلي»، عن اغتيال الشهيد إسبر في حينه -كما هي العادة في كيان العدو- لكن وزير الأمن العام والشؤون الاستراتيجية غلعاد إردان، الذي رفض التعليق على اتهامهم بالاغتيال، لكنه أشار إلى أن مقتل إسبر هو «أمر جيد».
أما وسائل الإعلام العبرية فقد تكفلت بنقل صورة الفرح، الذي عم الأوساط الصهيونية، بهذه العملية، حيث أكد محلل الشؤون العسكرية، في القناة العاشرة العبرية، ألون بن دافيد، بأن الحديث عن الدكتور عزيز إسبر، يدور عن شخصية أزعجتنا كثيراً، وقضّت مضاجعنا.
وأكد بن دافيد، أن تنفيذ عمليات الاغتيال في سوريا، يختلف عن مناطق أخرى، كدولة تونس أو ماليزيا، حيث إن عمليات الاغتيال في سوريا، ليست بالأمر البسيط، ويتطلب تنسيقاً كبيراً، من جهات وعناصر من داخل الأراضي السورية، ويقصد بذلك الجماعات الإرهابية، وأجهزة الدول الداعمة لها.
أما ما كان لافتاً أكثر، هو أن العصابات الإرهابية، وبعض قادة المعارضات، كانت أكثر احتفالاً من العدو الصهيوني، باغتيال الشهيد إسبر، وأعلنت مجموعة إرهابية، تابعة لجبهة النصرة، تطلق على نفسها اسم «كتيبة أبو عمارة» مسؤوليتها عن العملية.
الصراع السوري مع العدو الصهيوني، ومع قوى الاستعمار، والصهيونية العربية، وتجّار الأديان والطائفيّة، قائم ومستمر، لكن قدر سورية، هو أن تنتصر، رغم ما في هذا الانتصار من كلفة غالية.
لا شك أن خسارتنا بالشهيد عزيز إسبر كانت كبيرة، لكن هكذا هي طبيعة الصراع، مع هذا العدو المجرم، الذي يعلم قبل غيره، أن الشهيد ترك وراءه آلافا من العلماء والمهندسين، الذين أتقنوا الصناعة، وحفظوا الأمانة.
وإذا كان العدو مع العصابات الإرهابية، قد تمكنوا من الشهيد إسبر، لكن الشهيد لايزال يمسك برقاب العدو الصهيوني، من خلال صواريخ المقاومة، التي تحمل بصماته، وهذه اليد ستبقى تضيق الخناق على هذا العدو، حتى انهياره، وهذه اللحظة قادمة لا محالة، وحينها سيدرك الجميع، دور الشهيد عزيز إسبر، ومئات العلماء والخبراء، وآلاف الشهداء، في اقتلاع هذا الكيان من جذوره.. وإن غداً لناظره قريب.

أترك تعليقاً

التعليقات