أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
كل ما يقال عن وقف للقتال، سواء على جبهة غزة أو جنوب لبنان، هو تضليل أمريكي - "إسرائيلي"، ومن إعلام التطبيع العربي.
الحكومة "الإسرائيلية" لا تستطيع وقف القتال لثلاثة أسباب:
- فشلها حتى الآن في تحقيق أي هدف من الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها لعدوانها على قطاع غزة ولبنان، وموافقتها على وقف القتال تعني استسلاماً وإقراراً بالعجز ستكون تداعياته خطيرة على كيان الاحتلال.
- حكومة نتنياهو ستسقط فور موافقتها على أي اتفاق، بسبب تأكيد اليمين المتطرف أنه سينسحب من الحكومة عند أي موافقة على وقف القتال.
- وقف القتال سيعني ذهاب الطبقة السياسية والعسكرية الحاكمة إلى لجان التحقيق، بسبب الفشل في "طوفان الأقصى" وتحقيق أهداف العدوان، إضافة إلى إعادة فتح ملفات نتنياهو القضائية.
أما أمريكا فهي لا تريد وقف القتال، وإنما التحكم بإيقاعه لعدم تمدده وتوسعه، وخاصة بين إيران و"إسرائيل"، حتى لا ترى نفسها مضطرة للانخراط المباشر في معركة غير مضمونة النتائج، وتشغلها عن جبهتها الأساسية مع الصين وعن أوكرانيا، وهو ما تحاول حكومة نتنياهو حصوله، كخيار وأمل وحيد للكيان الصهيوني للخروج من هذا الوضع.
أكبر مؤشر إلى هذا التوجه هو أن المبعوث الأمريكي، عاموس هوكشتاين، قرر العودة من الكيان الصهيوني إلى واشنطن بدون زيارة بيروت، لعدم توفر أي أمل بالتوصل إلى اتفاق.
كما ألغى الموفد القطري زيارته للبنان بعد ما قيل عن رفض حزب الله فصل جبهة لبنان عن غزة والتراجع وراء الليطاني.
هذا يؤكد أن القتال مستمر، والحكم للميدان، وهذا الميدان يتغير بشكل متسارع، ويومي أحياناً. وفي هذه التحولات، يمكن قراءة ما يلي:
- المقاومة اللبنانية تستعيد عافيتها، وتؤكد أن يدها هي العليا على الأرض، حيث يتمكن بضع مئات من المقاتلين من منع الكيان الصهيوني من احتلال أي بلدة لبنانية، والتثبت فيها حتى ليوم واحد، رغم أنه حشد حوالى سبعين ألف جندي يعادل ثلاثة أضعاف ما حشده خلال عدوان العام 2006.
والمعلومات الميدانية تقول بأن المقاومة اللبنانية تعمل وفق ثلاثة خطوط قتالية، وهي تخوض القتال على أنه حرب استنزاف للعدو ومستمرة لوقت طويل، وهذا يفرض التدرج في المواجهة، وفي نوعية الأسلحة المستخدمة، بما يتوافق مع متطلبات الميدان.
وفي مؤشر إلى المسار الذي يأخذه الميدان، قدمت غرفة عمليات المقاومة اللبنانية إيجازاً لنتائج العدوان منذ بدئه vفي 17 أيلول/ سبتمبر، وحتى يوم الخميس الماضي، قالت فيه إنها أوقعت بجيش الاحتلال خسائر فادحة (اعترفت بها قوات الاحتلال) بلغت أكثر من 95 قتيلاً، و900 جريح، من ضباطه وجنوده، وتدمير 42 ميركافا (تعادل خمسة بالمائة من المخزون "الإسرائيلي") و4 جرافات وآليتي هامر وآلية مدرّعة وناقلة جند، وأسقطت 5 مسيّرات. وهذه الحصيلة لا تتضمن خسائر العدو في القواعد والمواقع والثكنات العسكرية والمستوطنات والمدن التي طالتها صواريخ المقاومة، وتتكتم عليها قوات الاحتلال.
- في قطاع غزة، يلاحظ أن المقاومة الفلسطينية بدأت منذ عدة أيام تكتيكات جديدة في المواجهة، وهناك حديث عن ظهور تشكيلات من وحدات النخبة وقناصين، يخوضون مع العدو مواجهات مباشرة وعبر كمائن، أدت إلى زيادة ملحوظة في الخسائر في صفوف "الإسرائيليين" بلغت -وفق صحيفة "هآرتس"- خلال يومين فقط، 17 جنديا، وعدداً كبيراً من الدبابات والآليات، وهي من أعلى الخسائر منذ عملية "طوفان الأقصى"، وتناقض بشكل كامل الادعاءات "الإسرائيلية" بأنها قضت على معظم عناصر المقاومة وباتت تسيطر على الميدان في القطاع.
- العدو يتكتم على خسائره، وخاصة في المواقع التي تطالها صواريخ المقاومة، وفي مقدمتها اللبنانية، والتي بلغت -وفق مصادر "إسرائيلية"- نحو 24 ألف تهديد جوي أطلق على "إسرائيل" منذ بداية الحرب.
وسط هذا الصراع، يحاول الكيان الصهيوني التعويض عن فشله في الميدان، على الأرض، بما يوفره له التفوق الجوي، للقيام بعمليات قتل المدنيين وتدمير الأبنية والبنية التحتية وحصار الفلسطينيين، ومحاولة التأثير على الداخل اللبناني وتحريضه ضد المقاومة.
في قوانين الصراعات ودروس الحروب، هناك قاعدة تؤكد أن سلاح الجو لا يمكن أن يحسم المعركة، مهما أوقع من تدمير وعمليات اغتيال، والحسم يتم في الميدان على الأرض، وهو ما تفشل فيه "إسرائيل"، وأول من يعترف بذلك هم النخب السياسية والعسكرية "الإسرائيلية".
في مسار هذا الصراع، هناك عدة محطات ومؤشرات قد تؤثر فيه بعمق، أهمها:
- احتمالات تطور المواجهة بين إيران والكيان الصهيوني.
- توقيع إيران وروسيا اتفاقات استراتيجية تزيد التعاون بينهما، خاصة في المجالات العسكرية.
- المواجهة الأمريكية - الصينية المؤجلة بسبب الوضع في منطقة غرب آسيا وأوكرانيا، والتي قد تتقدم كل هذه الجبهات في أي لحظة، وكان لافتا كلام الرئيس الصيني (شي جين بينغ) لجيشه قبل أيام، بأن يستعد للقتال.
- انتخابات الرئاسة الأمريكية، والتي هي صراع داخلي على أولوية التهديدات التي تواجهها أمريكا، وخاصة مع الصين، إضافة إلى ما تحمله من مؤشرات غير مسبوقة حول وجود استقطاب وانقسام داخلي عميق في المجتمع الأمريكي، عبّر عنها أكثر من مرة الرئيس ترامب، وتهديده بحمام من الدماء في حال خسارته الانتخابات.
كل هذه المؤشرات تؤكد أن المواجهة مستمرة، ومقبلون على تصعيد أكبر، واحتمالات تمدد الصراع، إقليميا ودولياً، واردة وكبيرة.
وسط تأثيرات مشاهد قتل المدنيين، والدمار والحصار، التي يقوم بها العدو الصهيوني، هناك آلة إعلامية ضخمة، في طليعتها إعلام أنظمة التطبيع، تحاول رسم صورة وهمية للوضع، والتكتكم على الصورة الحقيقية التي تقول: إذا كنا نتألم، فالعدو يتألم أكثر بكثير، وهو يحاول إخفاء خسائره وقدرته العسكرية والاقتصادية على مواجهة حرب استنزاف طويلة، ومجتمعه الهش يعيش أزمات عميقة تقربه كثيراً من حالة الانهيار، ومن أراد أن يتعرف أكثر على هذه الصورة فليتابع الإعلام العبري، وما يقوله المحللون والنخب السياسية والعسكرية "الإسرائيلية"، فهم أكثر من يتحدثون عن تفاصيل هذه الصورة، وعن أسئلة الوجود والقلق داخل الكيان، ويتساءلون: إلى متى تستطيع حكومة نتنياهو إخفاء الصورة الحقيقية؟!
هذا يؤكد أن ما يجري هو صراع ميدان وإرادات، والنصر في هذه المواجهة لمن يمتلك القدرة الأكبر على الصبر والصمود والثبات، وفي هذا لا خوف ولا قلق على مسار القتال، وعلى نهاياته ونتائجه، والنصر صبر ساعة. وإن غداً لناظره قريب.

أترك تعليقاً

التعليقات