محادثات سورية تركية إيجابية وجدية
 

أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
دخلت العلاقات السورية التركية مرحلة البحث الجدي في كل التفاصيل، تمهيداً لتحقيق المصالحة والتطبيع بين البلدين، وذلك بعد تأكيد وتثبيت المنهج السوري في بحث هذه العلاقات، وعلى مستويات بحسب تقدمها، وصولاً إلى القمة بين الرئيسين بشار الأسد وأردوغان، والتي يجب أن تأتي بعد بحث وحل كافة تفاصيل العلاقات بين البلدين، وتأتي تتويجاً لها بدلاً من النهج التركي الذي حاول أردوغان أخذها باتجاهه، عن طريق عقد قمة مع الرئيس الأسد، والتي وصلت حد الاستجداء، ثم الانتقال إلى بحث تفاصيل هذه العلاقات.
العلاقات بين البلدين اليوم تؤكد وجود أجواء إيجابية وجدية، عززتها الكلمة التي ألقاها الرئيس الأسد أمام مجلس الشعب السوري، وتحدث فيها عن العلاقات مع تركيا، والتي تلقفتها الحكومة التركية بإيجابية، رغم أنها لم تحد عن الثوابت السورية حول هذه العلاقة، وهو ما أكده وزير الدفاع التركي، يشار غولر، الذي وصف كلمة الرئيس الأسد بالإيجابية، وأكد أنه "لا توجد مشكلة لا يمكن حلها بين البلدين، وبعد حل هذه المشكلات، أعتقد أننا سنكون قادرين على مواصلة أنشطتنا الطبيعية كدولتين متجاورتين".
هذه الأجواء الإيجابية كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد تحدث عنها، وأكد لأول مرة، على هذا المستوى، أن تركيا مستعدة للانسحاب من الأراضي السورية. وتحدث لافروف عن لقاء سوري - تركي - روسي - إيراني قريب، "لبحث تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق" وبحث المواضيع المطلوب حلها، على هذا المستوى، تمهيداً لرفع المحادثات إلى المستوى الوزاري.
وتأكيداً لما تحدث عنه لافروف، بدأت وفود استخباراتية سورية تركية، وبحضور روسي إيراني، اجتماعات لمناقشة المراحل المطلوب إنجازها على هذا المستوى.
ونقلت وسائل إعلام تركية مقربة من الحكومة أن هذه المحادثات تدور حول عدة مواضيع، هي:
- الانسحاب التركي من الأراضي التي تحتلها في سورية.
- وضع المجموعات المسلحة التي تعمل بأمرة وإدارة تركيا، وتحديد من يقبل المصالحة بين البلدين، ومن يرفض، وكذلك موضوع "قسد" وحزب العمال الكردستاني، وتحديد من ينطبق عليه وصف "الإرهاب".
- "اتفاقية أضنة"، الموقعة بين البلدين عام 1998، والتي تنظم العلاقات بين البلدين، وخاصة موضوع الحدود، وانتشار الجيش السوري على كافة نقاط هذه الحدود.
- المطلوبون قانونيا وأمنيا للدولة السورية، من ضباط وعسكريين منشقين وإعلاميين وفنانين، والفرز بين من حمل السلاح في وجه الدولة السورية وحرض عليها، ومن امتنع عن حمل السلاح.
كما تتم مناقشة أدوار روسيا وإيران في المرحلة الانتقالية، الضرورية لفكفكة التشابكات والتعقيدات التي تراكمت على الأرض خلال أكثر من 13 عاما من العدوان على سورية، ومنها وضع المسلحين والمطلوبين للخدمة الإلزامية، حيث يتم الحديث عن تشكيل وحدة خاصة ومؤقتة تديرها إيران، تضم المتخلفين عن الخدمة الإلزامية في الجيش السوري.
وفي مبادرة لإضفاء أجواء إيجابية على المفاوضات مع سورية، اتخذت الحكومة التركية عدة إجراءات، منها إعادة فتح معبر "أبو زندين"، الذي يصل بين المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة في شمال حلب، والمناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية، بعد محاولات من مجموعات مسلحة لعرقلة فتحه.
كما اتخذت وزارة الداخلية التركية قراراً مهماً بفتح معبر باب الهوى، وهو من أهم المعابر بين البلدين لكل من يريد الدخول إلى الأراضي السورية، واشترطت أن يحمل المسافر جواز سفر رسمياً ساري المفعول وصادراً عن الحكومة السورية تحديداً، وهو ما يلغي كل ما صدر عما يسمى "الحكومة السورية المؤقتة" التي شكلتها تركيا و"الائتلاف السوري".
كما تحدثت مصادر تركية عن تعهد بفتح معظم المعابر خلال شهر، بدلا من ستة أشهر، كما كانت تقتضي التفاهمات الأولية بين الجانبين.
المصالحة السورية التركية بدأت تأخذ أبعاداً تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين، وسجل مواقف لافتة، أبرزها ما كشفت عنه وسائل إعلام تركية، نقلا عن مصادر مقربة من حكومة أردوغان، عن محاولة من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال القمة التي جمعته مع الرئيس أردوغان، للتدخل الإيجابي في ملف العلاقات السورية التركية؛ لكن أردوغان اتخذ موقفا مفاجئاً برفض الاقتراح المصري، ورفض تدخل أي طرف، عربي أو دولي، كان له دور في تخريب العلاقات السورية التركية، بحسب وصف هذه الوسائل.
كما كشفت هذه الوسائل أن أردوغان كشف للسيسي أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عرض عليه، خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى بينهما قبل أيام، استضافة القمة السورية التركية المتوقعة، في الرياض، وحتى استضافة المحادثات التي تجري بين الطرفين حالياً، وعلى أي مستوى كانت، وبحضور روسي وإيراني، حين يقتضي الأمر؛ لكن أردوغان اتخذ الموقف نفسه الذي اتخذه مع السيسي، برفض تدخل أي طرف كان له دور في التحريض وتخريب العلاقات السورية التركية، في جهود المصالحة مع سورية.
كما كشفت وسائل الإعلام التركية أن السيسي، الذي تحدث مع أردوغان حول الوضع الفلسطيني أيضاً، حاول تقديم نفسه على أنه ممثل للطرف العربي وجامعة الدول العربية؛ لكن أردوغان أعاد التأكيد بأن المشكلة مع سورية لها ظروفها الخاصة، وأن هناك أطرافاً عربية كان لها دور سلبي مؤثر في تخريب العلاقات مع سورية، وبالتالي الثقة ستكون بالوسيطين الروسي والإيراني فقط.
كما كشف أردوغان للسيسي أن الولايات المتحدة حاولت عرقلة المصالحة السورية التركية، لكن تركيا قاومت هذه الضغوط، وقررت المضي في المصالحة مع سورية، وطلب من المصريين والسعوديين فقط عدم عرقلة المصالحة مع سورية.
هذه الأجواء، ونجاح المحادثات الجارية حتى الآن، على المستوى الفني والاستخباراتي، تشجع على نقلها إلى المستوى الوزاري، وهو ما يتوقع أن يتم الاتفاق على موعده ومكانه قريبا، للاتفاق على ما تبقى من التفاصيل، حول تطبيع العلاقات بين البلدين، لتأتي القمة السورية التركية، بين الأسد واردوغان، تتويجاً لكل هذه الجهود، وليس للدخول في متاهات المفاوضات والمناقشات.
وفي مؤشر إلى جدية هذه الأجواء، بدأ الحديث عن تحديد مكان جديد للقاء الرئيسين، الأسد وأردوغان، غير الأماكن التي كان يتم الحديث عنها بين موسكو وبغداد وأنقرة ودمشق، ويتم الحديث اليوم عن معبر كسب شمال اللاذقية، على الحدود السورية التركية، كمكان لعقد القمة، مع تأكيدات بأن هذه القمة لن تتجاوز نهاية العام الحالي، والتي ستكون إعلانا بدخول العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة ستطال تداعياتها كافة ملفات المنطقة.

أترك تعليقاً

التعليقات