أحمد رفعت يوسف

 أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
لا يختلف اثنان من السوريين على أن سورية اليوم ليست بخير، بعد حوالى 13 عاما من العدوان الشرس عليها، وسياسات الحصار والتجويع، وسرقة ثروات السوريين، من قبل المحتل الأمريكي؛ لكن أكثر ما يتفق عليه السوريون اليوم هو أن سوء الإدارة والفساد، الذي استشرى في مؤسسات الدولة، يشكل الخطر الأكبر على سورية والسوريين، ويكاد يطيح بكل التضحيات، التي قدموها لحماية الدولة ومؤسساتها من السقوط في براثن العصابات الإرهابية والمشاريع العدوانية، وفي مقدمتها «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، الذي كان سيعني نهاية سورية كدولة وهوية وطنية وقومية.
ولأن البحث في تفاصيل هذا الموضوع متشعب وطويل، سنخصص الحديث عن الساحة السياسية في سورية للنشاط الذي يقوده الرئيس بشار الأسد، لإحداث إصلاحات وتغييرات في بنية حزب البعث ونشاطه في الساحة السورية.
وقبل استعراض ما يقوم به الرئيس الأسد، نشير إلى أن الساحة السياسية والحزبية في سورية تعاني اليوم، مثلها مثل كل مؤسسات الدولة، من مشاكل حقيقية، تجعلها في حالة غيبوبة وسبات يقترب من الموت.
فحزب البعث، الذي يقود الدولة السورية منذ العام 1963، هو أكثر الأحزاب معاناة وحاجة للإصلاح، بعد الخلل الكبير الذي ظهر على نشاطه وعمله، وخاصة بعد العدوان على سورية عام 2011، حيث ظهر أنه أصبح مجرد هيكل بيروقراطي سلطوي، انغمست قياداته في الفساد ومكاسب السلطة، مما أبعدها عن القضايا الشعبية والوطنية، وجعل المجتمع السوري، بما فيه القواعد البعثية، يحملها جزءا كبيراً من حالة الضعف، التي تعاني منها سورية اليوم، بسبب اعتماد الفساد والمحسوبيات والولاءات الشخصية في تولي المناصب القيادية والتنفيذية، مما أدى إلى إبعاد أصحاب الكفاءات، ووصول الفاسدين والفاشلين إليها.
والأحزاب المنضوية في الجبهة الوطنية التقدمية، التي تأسست منذ عام 1972، وتضم ستة أحزاب إلى جانب حزب البعث، نتجت عن انقسامات في التيارات الناصرية والشيوعية حولتها إلى مجرد أشباح أحزاب، بلا أي رصيد شعبي، ولم يظهر لها أي فاعلية خلال كل مراحل العدوان على سورية، وقليل جداً من السوريين من يستطيع معرفة أسمائها، أو حتى أسماء ووجوه قياداتها، خاصة بعد غياب قادتها المؤسسين، أمثال خالد بكداش، أمين عام الحزب الشيوعي السوري، وفايز إسماعيل، أمين عام حزب الوحدويين الاشتراكيين.
أما الأحزاب التي ظهرت بعد إقرار قانون الأحزاب عام 2011، وعددها 12 حزباً، فلم يظهر منها أي حزب قادر على طرح برنامج وطني يقدمه للمجتمع السوري، أو يخوض أي انتخابات أو منافسة على أساسه، وظهر أنها ليست أكثر من تجمعات محدودة، أو محاولات لظهور شخصيات تطمح للعمل السياسي، أو للدخول إلى الجبهة الوطنية التقدمية، وتحصيصها بمقاعد في مجلس الشعب والمناصب الحكومية.
وحده الحزب القومي الاجتماعي السوري يمكن أن يشكل حالة سياسية وحزبية حقيقية في سورية، من خارج الدائرة البعثية، بسبب الدور التاريخي للحزب، وامتلاكه برنامجا وطنيا وسياسيا وفكريا، تلخصه أفكار مؤسسه أنطون سعادة، وكبار مفكريه، الذين يعتبرون سورية حالة حضارية ووطنية خاصة، وتعتبر نقيضاً للمشروع الصهيوني، ويرفضون الاعتراف بتقسيمات «سايكس بيكو»، باعتبار أن سورية تضم كامل منطقة بلاد الشام والرافدين، وهو الحزب الوحيد الذي له امتدادات فيما يسمونها «كيانات بلاد الشام»، وتحديداً في لبنان والأردن.
لكن الحزب يعاني اليوم من حالة انقسام إلى عدة أجنحة، تضاف إلى صعوبة العمل في الساحة السورية، مما يجعل من الصعب على الحزب الظهور بشكل موحد بما يتناسب مع امتداده الشعبي، ودوره في الساحة الحزبية والسياسية السورية.
وهذا الجمود في العمل الحزبي في سورية هو أحد النتائج الرئيسية لأخطاء البعث، بعد محاولة الاستئثار بالسلطة، وبمؤسسات الدولة، رغم أن هذا الاستئثار أصبح يتناقض مع مواد الدستور السوري الجديد، الذي تم إقراره في العام 2012، والذي ألغى المادة رقم (8) من الدستور القديم، التي تنص على أن حزب البعث قائد في الدولة والمجتمع.
هذه الحالة، التي تعصف بالعمل السياسي والحزبي في سورية، جعلت الرئيس بشار الأسد يأخذ زمام المبادرة لإصلاح الخلل في بنية الإدارة والسلطة التنفيذية، انطلاقاً من إصلاح حزب البعث، نظرا لدوره القيادي في سورية.
بدأ الرئيس الأسد هذا النشاط بلقاءات مع القيادات البعثية، تم خلالها بحث نشاط الحزب وترهله، وابتعاده عن دوره القيادي والوطني، والذي أدى إلى خسارة أكثر من 75 بالمئة من منتسبيه وقاعدته الشعبية، وفق ما أظهرته الأرقام، بعدما طلبت قيادة الحزب عام 2014 من المنتسبين تثبيت عضويتهم خطياً، فبلغ عدد من استجاب لهذا الإجراء بحدود 1.5 مليون عضو، من أصل حوالى ستة ملايين كانوا موجودين في قوام الحزب.
أبرز ما تم الاتفاق عليه هو اعتماد الانتخابات في القواعد الحزبية، لانتخاب مندوبين، للتحضير لمؤتمر قطري ينتخب قيادة جديدة تأخذ على عاتقها تعديل استراتيجية الحزب وتفعيله، والخروج من دائرة الانتقاد الحاد، التي يتعرض لها مع قيادته.
تلا ذلك لقاءات مع مختلف الفعاليات السورية، كان آخرها «حوار مفتوح» على مدى ثلاث ساعات، مع 37 شخصية من المفكرين والأكاديميين والكتّاب البعثيين.
انطلق الحوار بحسب بيان الاجتماع «من عناوين وطنية، وأخرى حزبية، وثالثة تتعلق بالفكر والهوية، ويركز الحوار في خطوطه الرئيسية على الرؤية الشاملة المطلوبة للتغيير، وبنائها عبر الحوار العميق، الذي ينتج عنه عناوين ترسم أسس تلك الرؤية، وكيف أن أية إجراءات لن تكون ذات قيمة ما لم تكن جزءاً من رؤية متكاملة».
وفي تقييمه لموضوع الانتخابات الحزبية، قال الرئيس الأسد: «إن أهم ما في الانتخابات ليس الأسماء التي تفوز فيها، وإنما المشاركة الواسعة بها، ولذلك فإن نتائج الانتخابات حينها تعكس قرار ورغبة الأغلبية... والنقطة الأهم هي كيف سنعكس تجربة الانتخابات في المرحلة اللاحقة».
وحول دور الحزب والسلطة التنفيذية، رأى الرئيس الأسد أن «الأحزاب هي التي تحدد ما هي السياسات في المجالات المختلفة، وتأتي الحكومة لتنفيذ هذه السياسات، وبالتالي أخطاء الحكومة تكون أخطاء تنفيذية وتلام عليها، ولكن لا تلام على الاستراتيجيات. والعناوين الكبرى للسياسات يلام عليها الحزب الحاكم».
الدكتور بسام أبو عبدالله، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق، ومدير مدرسة الإعداد الحزبي، التي تعد البرامج التثقيفية والكوادر القيادية في حزب البعث، الذي حضر الاجتماع، قال لـ»لا»: «الرئيس الأسد ركز في لقائه على أهمية الحوار، لإنتاج مرجعيات وأدوات عمل، بهدف الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الناس، وإنتاج الحلول، عبر تحويل الأفكار إلى خطط تنفيذية».
وأضاف أبو عبدالله أن الرئيس الأسد «ركز على أن منظومات العمل بمؤسسات الدولة القائمة حالياً قديمة، وهناك حاجة لتطويرها، ونحن اليوم ندفع ثمن عدم التغيير، فالتغيير يجب أن يكون حالة دائمة ومستمرة، ويجب القيام بالتغيير التدريجي وبشكل إيجابي».
مع مبادرات الرئيس الأسد وحديثه، أخذ البعثيون جرعة أمل وتفاؤل كبيرة. أما المواطنون السوريون، بمختلف شرائحهم، فيتوزعون بين مشكك ومتفائل، باعتبار أن الرئيس الأسد هو من يقوم بهذه المهمة؛ لكن مهما كان الأمر، فالإصلاح يحتاج إلى عمل كبير، على مستوى القيادة وإدارة الدولة، لأنه لا يمكن إصلاح مؤسسة آيا كانت، إذا كان النهج العام للإدارة غير سليم.

أترك تعليقاً

التعليقات