ماذا يجري في سورية
 

أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
هذا السؤال يتردد اليوم كثيراً، مع التطورات المتسارعة التي يشهدها الميدان السوري، منذ بدء المجموعات الإرهابية المسلحة هجومها الشرس، من مناطق إدلب والحدود التركية، وسيطرتها بشكل سريع وغير متوقع على مدينتي حلب وحماة، وتوقيفهم على أبواب حمص، والذي رافقه تحرك للمجموعات النائمة في درعا والقنيطرة، وحراك السويداء، الذي جعل هذه المدن خارج سيطرة الدولة السورية.
أسئلة كثيرة فرضتها وقائع الميدان عن سر التقدم السريع للفصائل الإرهابية، وتراجع الجيش السوري والقوات الرديفة رغم ما تمتلكه من قوة وإمكانات للمواجهة.
فهل حدث هذا التراجع لأسباب سياسية، أم بسبب ضعف الجيش السوري، أم بسبب قوة المجموعات المسلحة التي تديرها غرفة عمليات مكونة من ضباط استخبارات من تركيا وفرنسا وأوكرانيا، وغير بعيدة عنها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، والتي تزودها بمساعدات عسكرية ولوجستية، وتحديداً في خدمات الأقمار الصناعية والإنترنت والذكاء الصناعي واختراق غرف عمليات الجيش، إضافة إلى الماكينة الإعلامية الضخمة وغير المسبوقة التي رافقت الهجوم وحاولت التأثير في معنويات الجيش والشعب السوريين.
أياً كانت الأسباب والأجوبة على هذه الأسئلة، فهذه التطورات أعادت سورية إلى الواجهة، لتكون الساحة الأهم في الصراع الذي يجري لرسم حدود توازنات القوى والقوة الإقليمية والدولية، وما سينتج عنها من رسم للخرائط الجيوسياسية في المنطقة والعالم، مع انتقال العالم من مرحلة القطب الواحد إلى العالم متعدد الأقطاب.
ما يجري اليوم على الساحة السورية يرتبط بكل جبهات الصراع والمواجهة، من بحر الصين إلى أوكرانيا مروراً بكل نقاط الاشتباك في منطقة غرب آسيا.
فلا يمكن فصل ما يجري عن الميدان في غزة وباب المندب، وما انتهت إليه المواجهة في الميدان اللبناني، وعجز الكيان الصهيوني عن تحقيق أي من أهدافه الاستراتيجية حتى الآن، وربط ذلك مع التهديد المباشر والواضح الذي أطلقه رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، لسورية بأن "الأسد سيدفع الثمن، وعليه ألا يلعب بالنار".
كما لا يمكن فصله عن تطورات الساحة الأوكرانية، والسماح الغربي لأوكرانيا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى لقصف روسيا، ورد روسيا باستخدام صواريخ "أوريشنيك" ذات القدرة العالية على التدمير لأول مرة وتغيير عقيدتها النووية.
هذه التشابكات المعقدة تتداخل كلها اليوم مع ما يجري في الميدان السوري، والذي جعل الكل يتصارع على سورية وعلى موقعها الجيوسياسي الهام والحاكم، في توازنات القوى والقوة الإقليمية والعالمية، لأن الميدان السوري هو الذي سيحدد المنتصر في هذا الصراع، والذي سيكون له الدور الأكبر في رسم خرائط المنطقة والعالم، مما جعل الأدوار الإقليمية والدولية تتشابك أحيانا وتتصارع أحيانا أخرى، لكنها بكل الأحوال تتخذ من الميدان السوري ساحة لها.
فتركيا، التي تأكد أنها تقف بشكل مباشر وراء هجوم المجموعات الإرهابية وتقدم لها كل أنواع المساعدات، تدرك وجود مخاطر استراتيجية تهددها، وأن مواجهة هذه المخاطر تتطلب المصالحة مع سورية، لكنها تريدها على طريقتها، وهو ما رفضه الرئيس الأسد، الذي يرد بأن لسورية حقوقاً ولا يمكن المصالحة قبل الإقرار بالانسحاب التركي من سورية ووقف دعم المجموعات الإرهابية.
كما يريد أردوغان تقوية أوراقه أمام الإدارة الأمريكية القادم، برئاسة ترامب، التي لا تكن لها ولدورها ولسياساتها الود.
الكيان الصهيوني، الذي أجبر منكسراً على القبول بقرار وقف القتال في جنوب لبنان، يريد قطع طريق طهران - بغداد - دمشق، الذي يعتبر شريان المقاومة، بهدف فصل سورية، التي تعتبر عمود ومحور المقاومة، عن طهران، وخنق المقاومة اللبنانية والفلسطينية، والإجهاز على ما تبقى منها.
أمريكا تريد تغيير نهج القيادة السورية، وليس إسقاطها، بهدف السيطرة على قرارها السياسي والاقتصادي، على الطريقة العراقية، وضمها إلى تيار التطبيع مع العدو الصهيوني، أو على الأقل تحييدها.
روسيا تعتبر سورية جزءاً من أمنها القومي، وخسارتها لسورية ستعتبر خسارة استراتيجية لها لا تقل تأثيراً عن خسارتها للحرب في أوكرانيا، لأنها ستحرمها من قواعدها في اللاذقية وطرطوس، وستسهل على القوى الغربية محاصرتها داخل حدودها، وخسارتها لحرب أوكرانيا وتقسيمها على الطريقة السوفييتية.
كما أن خسارة إيران لسورية ستعني تلقائيا انتقال الصراع إلى داخلها ومحاولة إسقاطها.
أيضاً مصر والسعودية تعتبر أن تقوية الدور التركي سيكون على حساب أمنهما ودورهما الإقليمي، الذي لا يمكن أن يكتمل بدون سورية، وكان ذلك سبباً في تغيير موقفهما من الصراع في وعلى سورية.
الوضع اليوم يبدو غامضاً وضبابياً، ومن الصعب التكهن إلى أي اتجاه يمكن أن تسير الأوضاع الميدانية والسياسية؛ لكن يمكن قراءة العديد من المؤشرات، أهمها:
 الجيش السوري أوقف المجموعات الإرهابية عند حدود حمص الجنوبية، والوضع في حمص وريفها مختلف كثيراً عن الوضع في حماة وحلب، من حيث عدم توفر البيئة الحاضنة الكافية للمسلحين، وبُعدها عن الحدود التركية وخطوط الإمداد.
 الجيش السوري لا يزال يسيطر على مواقع هامة وحاكمة في حماة، وخاصة في قمة جبل زين العابدين، والمطار، والريفين الشمالي والغربي، المفتوحين على إدلب، ويعمل على تجميع قواته ووصول إمدادات، بانتظار ما ستقرره غرف العمليات.
 يجري الحديث عن وصول وحدات مساندة، إضافة إلى تأكيد روسيا وإيران وقوفهما بقوة إلى جانب سورية والجيش السوري.
 كما جرى تطور ميداني ملفت، وهو التوافق بين الجيش السوري وقيادة "قسد"، اللذين تربطهما عداوة مشتركة لتركيا، لضبط الأوضاع في دير الزور والحسكة (شمال شرق سورية)، وهذا الإجراء لا يمكن أن يتم بدون ضوء أخضر أمريكي لـ"قسد"، مع ربط ذلك بتأكيد الخارجية الأمريكية توصيف حركة تحرير الشام (أو "النصرة") بأنها جماعة إرهابية.
وراء الكواليس هناك أحاديث عن اقتراحات ومشاريع لإيجاد حلول سياسية في سورية، وهذا يتطلب بالتأكيد توافقات داخلية وإقليمية ودولية، لكن كل ذلك مرتبط بالميدان السوري وتطوراته.
انجلاء بعض ملامح الصورة يتطلب اليوم النظر إلى حماة كبوصلة لتوجهات الميدان السوري، فإذا ما تمكن الجيش السوري والقوات الرديفة من استعادتها خلال الأيام القليلة القادمة، فإن الصورة ستتغير في كل الميدان السوري.
وسياساً، بانتظار ما ستسفر عنه اجتماعات الدوحة لمجموعة أستانا، المكونة من روسيا وإيران وتركيا إضافة إلى قطر، بحكم مكان الاجتماع، والذي يمكن اتخاذ نتائجه كمؤشر وليس كحل نهائي، على الاتجاهات، التي يمكن أن يأخذها الميدان السوري.

أترك تعليقاً

التعليقات