عبده سعيد قاسم

‌عبده سعيد قاسم  / لا ميديا -
اثنان فقط من المكونات اليمنية تعاملا مع السعودية بندية وبتحدٍّ شجاع: الحزب الاشتراكي اليمني أثناء حكمه في الجنوب، وحركة أنصار الله منذ تأسيسها.
فالحزب في زمن حكمه، والأنصار منذ ميلاد حركتهمن لم يضبطوا إيقاع ممارستهم لوجودهم الوطني على تردد موجة اللجنة الخاصة، ‌ولم يأتمرون بالأوامر والنواهي البابوية القادمة من قصر اليمامة.
‌ومثلما رفض الأنصار التدخل السعودي في الشأن اليمني وتصدوا لعدوانها، استطاع جهاز أمن الدولة في الجنوب أثناء حكم الحزب اختراق جهاز المخابرات السعودية، وتمكنت عناصره من حضور جلسات التخطيط والتدريب وتلقي التوجيهات وتحديد ساعة الصفر مع الخلية التي كلفتها المخابرات السعودية بتفجير خزانات الوقود في البريقة عام 1981، وتم اعتقال الخلية في عدن قبل التنفيذ بساعات، ثم محاكمة أعضائها، وكانت هزيمة مخزية لحقت بمخابرات الرياض حينها. وللحزب في زمن حكمه مواقف ومحطات كثيرة سجل فيها رفضه ‌الحاسم للتعامل السعودي مع اليمن.
أما السلطات المتعاقبة والأحزاب والقوى السياسية والقبلية الأخرى فتعاملت بخضوع وارتهان مطلق للمشيئة السعودية، التي لم تعترف بمن لا يمد يده إليها عبر نافذة اللجنة الخاصة، التي ومنذ تأسيسها عام 1962 مثلت اليد الطولى المتحكمة في الشأن اليمني، صغيره وكبيره، فلا تشكل حكومة إلا بعدما تستعرض اللجنة أسماء أعضائها، ولا يتعين رئيس لمؤسسة سيادية يمنية إلا بعد موافقة الرياض.
وكل من كان يطمح للسلطة أو حتى للتسلط، عليه أولاً أن يقيس رضا السعودية عنه، فيستمر في طموحه أو يكف ويتراجع، حتى أصبحت السعودية تمثل رهابا يتحكم في ذهنية السلطة والمعارضة.
فقط، في لحظة واحدة من التاريخ، وفي غفلة من مراصد اللجنة الخاصة، تمكن اليمنيون من إعلان الوحدة اليمنية، التي كان يوم إعلانها هو أول خطوة لإسقاطها ليس من شكلها التنظيمي الممثل بشكل الحكم الذي أصبح يعبر عنها بعد إعلانها، بل بإفراغها من معانيها التي كانت راسخة في الوجدان الشعبي اليمني بوعي نقي وإيمان صافٍ لا تشوبه المناطقية ولا يعترف ببراميل التشطير المنتصبة في الخطوط الفاصلة بين الشمال والجنوب كأوثان ظلت تعبدها السلطات وتخوض الحروب قربانا لها وللسعودية التي لم تدخر جهدا في تعميق التشطير والإطاحة بنظام الحزب الاشتراكي الذي كرس الوحدة كقيمة نضالية تحررية في كل أدبياته وبين جميع أعضائه وأنصاره.
وكذلك لم تدخر السعودية جهدا في إسقاط الوحدة بعد إعلانها، وتمكنت من ذلك من خلال حرب صيف 94 وما تلاها من تعميم قيم ومفردات الحكم المتبع قبل الوحدة كمنهج للتعاطي مع مجتمع كان أكثر وحدة وتلاحما قبل توحد الأنظمة، وتشرذم بعد توحدها.
‌وبناء على ما سبق ذكره، يتضح أن تاريخ العلاقات اليمنية السعودية هو تاريخ إملاءات وتبعية دشنتها ورسختها سلطة مشائخ “نوفمبر 67” كمفهوم لتصعيد الرؤساء أو لإسقاطهم أيضاً في حال لم يلتزموا بمحددات الارتهان للسعودية، وكذلك اتخذتها معولاً لهدم القوى السياسية والتنكيل بها وبالذات اليسارية منها.

أترك تعليقاً

التعليقات