شُبَّابَة
 

عبده سعيد قاسم

تعلمنا من الفقر والفاقة أن نقنع بالقليل، ونكتفي بكسرة خبز يابس ورشفة ماء، وتعلمنا من التاريخ ألا نرضى بحياة مغموسة بالإذلال مهما كان النعيم المادي باذخاً فيها، وألا نقبل الضيم، وأن ندفع عنا الذل والاستعباد مهما كانت التضحيات جسيمة والأثمان فادحة.. 
وتعلمنا من سيرة الأبطال وأنفة الفلاح أن الأرض عرض، والتفريط في أحدهما هو تفريط بالآخر.. 
إننا نشبع بكسرة خبز ورشفة ماء، ونحمد الله عليها نعمة، وندعوه أن يحفظها من الزوال.. 
علمتنا ليالي الكد والسهاد أن ننام على التراب، نتوسد ضمائرنا النقية العامرة بالإيمان بالانتماء للوطن، ونذهب في نوم عميق هادئ لا تؤرقه الكوابيس، ولا ينغصه الشعور بالخوف من زوال العيش الرغيد أو زوال الجاه والسلطان الذي كنا ننعم به. 
نحن شقاة منذ أن وجدنا في هذه الحياة إذا كسبنا عشاء اليوم ولقمة غداء الغد، اعتبرنا أنفسنا في عداد الأثرياء، لا نتوهم، ولكننا جبلنا على ذلك.
نحن شعب يرضى بالقليل، ويقنع ويشبع بالقليل. 
فيا أيها الشامتون بنا، أيها الفاغري أفواهكم ضحكاً وتشفياً بنا لأن أزمة السيولة النقدية حسب تصوركم وتمنيكم، ستؤدي بنا إلى الهلاك، وأننا لن نحصل على الرواتب ولا على القوت..
على رسلكم يا قوم، لا ترفعوا رايات النصر، ولا تبددوا أوقاتكم بالسخرية والتشفي، وثقوا تماماً أن هنا شعباً سينهض بمسؤوليته كما فعل من بدء العدوان، لم يستغث بأحد، ولم يناشد العالم أو يستجده حتى مجرد إدانة للعدوان، ظل يتلقى الضربات ويصبر، يدفن شهداءه ويعد نفسه أنه لابد من يوم ويسقي المعتدي كأس المنايا، وهو واثق أنه سيغير موازين المعركة لصالح قضيته العادلة في الدفاع عن الأرض والعرض، وأنه سيقتص لمن قتلهم العدوان من أبنائه ظلماً، وأن بين صفوف أبنائه من سيضرب العدوان في عتبة منزله، ويطعنه في لحمه الحي ويؤلمه. 
أموال النفط الهائلة لم تجد أصحابها نفعاً، ولم تصنع لهم نصراً على هذا الشعب الفقير.
 حتى الذين تركوا وطنهم يحترق، وناصروا العدوان عليه، وذهبوا يلهثون خلف بريق أموال النفط لم يجدهم ذلك نفعاً، وهاهم يشكون ويبكون من بؤس الحال وسوء المآل، وبعضهم يقبع في سجون أقسام شرطة عاصمة النفط والعدوان، لأنهم لم يستطيعوا دفع إيجار الفلل الفاخرة التي استأجروها على اعتبار أنهم ضيوف المملكة والملك، وسيغدق عليهم الأموال بلا حساب. 
سنعيش ولن نموت جوعاً.. فلا تسرفوا بالشماتة.. 
وإن متنا جوعاً سنموت هنا على هذه الأرض التي علمتنا كيف نقف بشموخ يلامس السماء رغم شح المال، ورغم غرور همج التاريخ وبرابرة هذا الزمان الذين ظنوا إثماً أنهم سيركعوننا بآلة حربهم وخزائن أموالهم.
سنعيش أو نموت على هذه الأرض.. 
ستربت السماء على أكتافنا لأننا لم نفرط بالأرض ولا بالعرض، وأننا ألقينا بهالة المملكة وجبروت أموالها تحت قدم جندي يمني حافٍ يفرون من أمامه كالطرائد. 
سنعيش، وسيعيش شعبنا الجبار رغم كل الظروف القاسية المريرة.

أترك تعليقاً

التعليقات