شبابة
 

عبده سعيد قاسم

لم يحظَ التراث الزراعي بالاهتمام والتوثيق الذي يحافظ على استمراره كتراث أنتجته قوى العمل الفلاحية كتعبير عن مدى ارتباط الإنسان بالأرض، واحتفائه بدنو مواقيت الفصول الزراعية وموسم المطر، وبقاؤه رهن التناقل الشفهي سيجعله يتلاشى ويندثر، ومع اندثاره سيضيع جزء مهم من تراثنا الزراعي الجميل. 
فالذاكرة الشعبية في الراهن مشغولة بأمور حياتية ملحة، وتعيش تفاصيل حياة معقدة بعيدة عن الأرض والفلاحة، وليست في فسحة من العيش لتظل تردد هذه المهاجل وتحفظها من الاندثار.
إن من عاش في كنف الحقول، وارتبط بالزراعة، وسهر الليل يراقب نجم علان والظلم والأوليين، ويستبشر فرحاً بتلويحات بارق الصيف وهطول المطر ودفء الصراب، ويبدع المهاجل ويصدح بها أثناء عمله، بحاجة أن توثق مشاعره الإنسانية تلك، وتحفظ له لحظات عطائه وبذله ونشوته عندما يستولد من رحم الأرض زاد الحياة، أو عندما يشيد مداميك البيوت ويهجل في الظهيرة:
(اليوم لا قهوة ولا قات
كيف يكون حال الشقات)
وزملاؤه يرددون بعده:
(يالله أسألك لا هنتنا)
والنساء اللواتي يقطفن السنابل ويستعنَّ بالغناء على مشقة العمل، ويغنين: 
(ورد ورد يا وارد الماء
وارد الماء بالسماء) 
والبقية يرددن:
(هو يا محل الواردة
ورد ورد شيبة وامرد
واعزب جره نهد
هو يا محل الواردة
اثنين كعوب يشكوا شكاهم
الزّرارْ كاظم لهم
اثنين كعوب مثل الصياني
شلهم تاجر غني
يا شمس غيبي وارحمينا
شنروح بيتنا 
شنشر معك وا ناشر البير
وا مكحل وا صغير
شنشر معك واجزع خلالك
إلى الطريق واتخبرك) 
والحاطبات عندما يصعدن الجبال في طريق العودة وهن يحملن حزم الحطب ويستعنَّ كذلك بترديد تلك السيمفونية الذائعة، فتستهل إحداهن الغناء والبقية يرددن معها الكلمة الأخيرة من كل مقطع:
(وذا النقيل، والبقية يرددن: وحاسر
وممتلئ عساكر
وبينهم حريوة
تجزع وهيْ تزرجم
مثل الحصان الملجم 
حلف أبوِه واقسم
ليذبحه ع المعقم
ويرد عليه دوانة
لمن دوان تهامة 
لمه لمه على مه
وعقربة حمامة؟!)
إلى آخر هذه الملحمة الشعبية الجميلة. 
من حقنا ومن حق المجتمع الزراعي أن يحفظ ويوثق فلكلوره هذا كتابة وصوتاً. 
 نعرف أننا في ظرف وطني استثنائي، ولا صوت فيه يعلو على صوت معركة الدفاع عن الوطن، لكننا نقرع جرس التذكير ليسمع المستقبل صداه ويعمل بمقتضاه.

أترك تعليقاً

التعليقات