عبده سعيد قاسم

وأنا أشحذ قلمي لأكتب حزني ووجعي عليك، تأتي الكلمات حزينة دامعة، ويتعثر المعنى بسواد الفاجعة، وأعجز عن استيلاد مفردات تستوعب هول الصدمة الساحقة. وكما خذلك قلبك الكبير الرحب وخذلنا بتوقفه عن النبض، تخذلني اللغة أيضاً حين أحتاجها لتبكي بالنيابة عني، فهل أترك للصمت حرية التعبير عن ألمي؟ سأفعل، لكني أشعر أن روحك انطفأت وفي خاطرك جنين قصيدة كانت في طور التشكل والنمو، وعليَّ أن أعيد صياغتها بحبر دمعي المسفوح أيها الشاعر الجميل والتربوي الفذ الذي يؤمن بأن تربية وتعليم الأجيال هو الرافعة المركزية للارتقاء بالأوطان والشعوب.
الآن، في هذه اللحظة الغارقة في سواد الحزن والألم العنيف، أستحضر شريطاً طويلاً من الذكريات بامتداد 20 عاماً إلا قليلاً، هي عمر صداقتنا التي لم يغشها الفتور، ولم تفقد حيويتها للحظة واحدة.. أستحضرك قامة بطول الجبال وامتداد الزمن، شجاعاً لا يهاب ضراوة الأحداث، ولا تخيفه الملمات. تربوياً يرى في العلم انعتاقاً للشعب من نير التخلف والجهل، وسياسياً يجيد قراءة الواقع السياسي، ويسبر أغوار التناقضات بحكمة وإتقان، وحزبياً مجرباً يفرق بين الحزب والوطن، وقيادياً مكافحاً يقتحم الأهوال ببصيرة نافذة ورؤية تجتلي الخفايا ومكامن الغموض.
لقد كنت حشداً من الرجال، وحزباً مكتمل البناء بمفردك. حرمتني هذه الحرب اللعينة أن ألقاك بعد عودتك من الهند إلا عبر وسائل التواصل وبرسائل مقتضبة تحمل أطنان التعب الذي كان يجثم على كاهل قلبك المثقل بمحاميلك النبيلة، وحرمتني الحرب أيضاً أن أسير وراء نعشك، وأتيح لمن تبقى من الأصدقاء تجفيف دمعي وتهدئة انفعالات حزني.
كنت وسأظل فخوراً بك وبصداقتنا الزاخرة بتلك التفاصيل الجميلة التي كانت مثار إعجاب الأصدقاء، ومثار سخط الخصوم، وبصدقك الذي كان منهجك المطلق في بناء العلاقات.
لروحك الرحمة والسلام من الله أيها الخالد أبداً في ذاكرة كل من عرفوك.

أترك تعليقاً

التعليقات