شُبَّابَة
 

عبده سعيد قاسم

لاتجد في نفسك حيزا حتى للتساؤل أو الاستفسار عما حدث؟! عندما تتعرض لصدمة نفسية وفكرية، وتجد أن الحزب الذي رسخ في أعماقك الإيمان بقضايا الإنسان العادلة أينما كانت وفي أية بقعة من بقاع الأرض.
الحزب الذي كان يشتاط غضبا ويعلن حالة الاستنفار والتضامن مع مناضل اعتقلته سلطات الديكتاتورية التشيلية، أو اغتالته عصابة في الإكوادور، أو تعرض للتعذيب في سجون نظام التمييز العنصري.. ويحدثك عبر أدبياته بفخر عن ملاحم الكفاح العسكري في حرب الشوارع بقيادة المناضلة البرغالية (أنجليكا)، وحكايات لاتعد ولا تحصى، تعزز في ذهنيتك الإحساس والشعور بمواجع الإنسان وآلام الشعوب في مختلف القارات.. وفجأة تسمع دوي ارتطام هذا الحزب في حضيض المواقف القروية والمناطقية، وتضبط قياداته متلبسة بجريمة زج هذا الحزب بمعركة تسفيه تاريخه النضالي والانحراف بمساره بعيدا عن كل ما قاله وراكمه من مآثر لانتصار لحقوق الفئة والطبقة المسحوقة التي كان يمثلها ويعبر عنها، وباسمها حدد أهدافه واختار وسائله وكتب تاريخه، وتنكر حتى لطبيعة نشأته، وأصبح كومة من فتات تعتليها شرذمة من قياداته المسكونة بهاجس التميز عن باقي الخلق، كونها تنتمي لأسرة مشيخية، وجرفت معها الحزب وما تبقى فيه من كوادره وأعضائه إلى وحول التنابز بالمناطقية والمذهبية والطائفية التي نشأ الحزب وترعرع كنقيض لهذه المسميات التي تمثل نموذجاً صارخاً لاستلاب المواطنة وما يرادفها من حقوق العدل والحرية والمساواة.
لاشك أن من حق أي حزب أو شخص أن يغير وسائله ويجدد أدوات نضاله بما تقتضيه التطورات الإنسانية، وبما يمنحه الديمومة والاستمرار، لكن مع ثبات الأهداف، لأن العدل والحرية مطلب إنساني ثابت، وتحقيقهما هدف لا يتغير عند من يكافح من أجل الظفر به في أي زمان وأي مكان. 
إنك تصاب بالفاجعة وأنت تسمع الشخص الذي كان مسؤولك الحزبي إبان الثمانينيات، وكان مصدر إلهامك ومثالك الإنساني والأممي، يحدثك اليوم أن الصراع الذي يدور الآن هو صراع بين الشوافع والزيود، وأن العدوان الذي يهدم البلاد على رؤوس الناس، جاء ينصف أصحاب السهل من أصحاب الهضبة..!
فتفغر فاك من الذهول وتبلع لسانك..

أترك تعليقاً

التعليقات

Elric
  • الأربعاء , 25 يـنـاير , 2017 الساعة 7:29:25 AM

Great stuff, you helped me out so much!