شُــــبابة
 

عبده سعيد قاسم

في زمن الحرب تتوارى قيم الثقافة ويخبو بريقها الساطع الجميل لتصير الحياة قاسية جافة..
وتصبح الثقافة كائناً غريباً لا حيز لها في زحام المتاريس وسطوة القبح المتحكم كلياً في مشهد مرحلة الحرب التي تضيق ذرعا بالقلم وصاحبه ولا تفسح له حيزاً حتى ولو في الهامش القصي من ساحتها إلا إذا تحول إلى سارية تحمل راية الضغينة والكره.. 
وفي زمن الحرب تشح سحاب الأغاني وتجف رئة الطير الصادح بمواويل الاحتفاء ببزوغ الضوء المنثال من شفاه الصباح المتشح بأوشحة الطل المنسوجة من ضحكة الغبش المرسوم على خدود الوقت كبسملة تعتلي سطور فاتحة يوم جديد من كتاب سيرورة التاريخ وجدليته المتحكمة بحركة الحياة ونقائضها وأحداثها ومفارقاتها العجيبة.. 
في زمن الحرب تتبلد الذاكرة الجمعية وتتهاوى أعمدة المعرفة فتصير الهمجية مصدراً للبطولة وطلب الأمن والسلام سخافة وعيباً ينتقص من معاني الرجولة..
  وفي الحرب يصاب الوقت بالخرف المبكر فتنسى المواسم أوان الحلول ويجف رحم الأرض فتتوقف حفلات المواليد وتخرس زغاريد الأعراس وتنشط أفواه القبور..
في زمن السلام فقط في زمن السلام والاعتراف بالآخر وإعلاء العقل وإشاعة العدل والحرية تبتهج الليالي بحميمية العشق ودفء الحياة وتعشب القصيدة وتستعيد لقلوب نضارتها والزمان صباه..
قد تكون الحرب ضرورة وطنية عندما تكون دفاعاً عن حياض الأوطان وعن حق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار نمط حياتها وعدم الارتهان لقوى البغي والاستغلال ولكنها تصبح لعنة تحل على الشعوب والأوطان عندما تتقد بدوافع إقصاء الآخر أو تحت شعار الدفاع عن السماء ولكنها في كلا الحالتين نقيض للحياة ومقصلة للثقافة والفن والمحبة والجمال. 

أترك تعليقاً

التعليقات