شبابة
 

عبده سعيد قاسم

تكتنز القرى ملاحم شعرية شعبية لا حدود لجمالها العالق برائحة المشاقر ونكهة الصباح القروي المكحل بالأدخنة المتصاعدة من أعواد الحطب المحترقة في أتون تناوير الفخار التي تتقد مع شروق شمس كل يوم إيذاناً ببدء يوم جديد حافل بعطاء يكتب كل يوم فصلاً جديداً من فصول قصص الكفاح التي يسطرها الفلاح في متون التراب وحواشي الوقت.. للشعر الشعبي المغمور بغبار التجاهل طعم الفطير المصنوع من حبوب القمح الخضراء، ونكهة قهوة البن الشهية، وله عبق العشق الخجول المتقد في الحنايا المتشحة بأوشحة الصمت وعنفوان العفة والطهر المستمد من أعراف وقيم لم تنل من طهرها قيم العصر وفساد الذوق الخانع لجشع السوق.. للقرية شعراء لا يعتري التكلف قصائدهم، ولا يعتمدون في إنتاجها إلا على التلقائية المتحفزة دائماً لالتقاط مشاهد الحياة الصغيرة، وإعادة رسمها على جدران القلوب بسخرية لاذعة تضحك القلب وتبكيه في آن واحد. . الشاعر الراحل مهيوب أحمد خالد الكمالي، والشاعر محمود عبده صالح الحسامي، هما أبرز مثالين لعفوية وتلقائية القصيدة الشعرية الشعبية، مهيوب الكمالي يرصد التفاصيل الصغيرة التي تزخر بها الحياة، ويهبها للخلود بقصائده المتدفقة بلغة تأسر القلوب وتخلب الألباب، عندما مات جدي الأضحية مشنوقاً رثاه بملحمة شعرية بديعة بقوله:
كنت للأطفال في البيت شعاع
باسماً فتاناً من يوم الرضاع
تبعث الدفء وتشجيهم بعاع 
ولك صوت كصوت العندليب
كل من جاء يعزيني طلب 
أن أوافيه بشرح مقتضب
عن وفاة الجدي كيف؟ ما السبب؟
هل عرضتوه على أقرب طبيب؟
فأرد بجواب مختصر
مات مشنوقاً كما شاع الخبر
ليس في ذلك من شك مريب
عندما توفي الشيخ عبدالوهاب أحمد قائد الكمالي، رثته الشاعرة الشعبية مهيلة أحمد علي الكمالي، ببيت يوازي قصيدة مكتملة:
كان العباد كان الأسد مقنع
تبكي عليه الطلحي يبكي حول أجزع
الطلحي وحول أجزع هما موضعان زراعيان يملكهما الشيخ المتوفى.
هذه الشاعرة التي لا تقرأ ولا تكتب، استنطقت المكان الصامت، واستبكته وجعاً من فراق الشيخ الراحل (رحمهم الله جميعاً).
عندما تمادت شركات استثمار الأموال التابعة لحزب الإصلاح، بنهب مدخرات المواطنين تحت مسمى الاستثمار الخادع، فانكشف للناس أنهم تعرضوا للخديعة والنصب، ترجم الشاعر محمود عبده صالح الحسامي تلك الخديعة، وكيف انطلت على البسطاء، بقوله: 
صاحت عليه إحدى الحرم
أين اشتولي بالغنم؟
قال له شساهم لك عجم
سكتة ولا أسمع نخوس
قالوا المية بعده مية
ومن يرده ثانية
يتحمله بالجونية 
يهس به الشارع هسوس
وللحديث بقية في العدد القادم...

أترك تعليقاً

التعليقات