شبابة
 

عبده سعيد قاسم

عندما يموت فنان أو شاعر تتصحر شعاب الحياة وتجف ينابيعها، وترحل الأهازيج الطرية الطروبة بعيداً عنا.
وبرحيل الفنان اليمني الكبير أبو بكر سالم بلفقيه، رحلت من آفاق أرواحنا غيمة مشبعة بالندى والأغاني، وفقدت الأغنية اليمنية اR03;لأصيلة صوتها المسافر في شتى بقاع الوطن العربي، سكت الصوت المسكون بموسيقى الأفئدة العاشقة بطبقاته المتصاعدة كنافورة عطر تضخ أريجها الى سقوف الآفاق البعيدة، وتنعش في حنايا الناس الأحاسيس الخاملة جراء الانكسارات التي ضختها إليها الحياة التعيسة في هذا الوطن الذي تضيق مساحاته الشاسعة برفيف قلب أخلص للمحبة وتدثر بصفاء العشق، وتتسع كل زواياه لمهرجانات الاقتتال وسفك الدم إن بيد أبنائه أو بعدوان من خارج حدوده، لتصبح الأغاني فيه محض ترف لا قيمة له في هذه الحياة المكتظة بشتى أنواع البؤس وصراعات القوى المختلفة وطوابير اليتامى والأرامل الممتدة بامتداد الخارطة اليمنية التي لم تنطفئ فيها نيران الصراع من قدم التاريخ حتى اليوم، لكأن الأزمنة اليمنية متشابهة كحبات الأرز وعيون الصينيين، حد تعبير الشاعر الكبير الراحل نزار قباني، بوصفه للأزمنة العربية. 
رحل أحد عمالقة الفن الغنائي اليمني، تاركاً لنا خارطة غنائية عامرة بأجمل ما أبدعته حنجرته الاستثنائية التي استعصى تقليدها على كثير من المغنين الجدد الذين امتهنوا التقليد وعاثوا بالتراث ولاثوا، واعتدوا ببشاعة على الذاكرة الغنائية اليمنية، وشوهوا جمال الأغاني، وأفسدوا الذائقة الجمعية، لكن صوت أبو بكر بلفقيه حصّن أغانيه من عبث التقليد المبتذل، وإن حاول أحدهم التطفل على مائدته الغنائية الشهية يعجز عن تقليد ذلك الصوت الرخيم. طوى الموت بِصَمته تلك الحنجرة الرشيقة التي قال عنها الشاعر الراحل عثمان أبو ماهر، ذات مقيل غابر، إنها الحنجرة العربية الفريدة بطبقاتها الاستثنائية.
تعودنا ومن زمن بعيد، ومع كل شريط غنائي جديد يبدعه الفنان الراحل أبو بكر سالم أو الفنان أيوب طارش عبسي، أن نشعر بطعم جديد للحياة التي كنا نخال أنها تفرد لأرواحنا أجنحة من شعاع البكور، تحلق بنا في فضاء الطرب الجميل الشاسع، وتغسل أرواحنا برذاذ الغيوم. 
رحم الله الفنان أبو بكر سالم، وأمد عبقري الفن الأستاذ أيوب طارش عبسي بالصحة وطول العمر..

أترك تعليقاً

التعليقات