مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
مكتبات البيوت.. حين كانت الجدران من خشب.. والكتب من ذهب
في الزمن الجميل، لم تكن مكتبة البيت مجرد قطعة أثاث، ولا ديكورًا يُكمّل غرفة الضيوف، كانت رمزا عائليا صغيرا، ركنًا من الحكمة، ورائحة من الجَدّ، أو الأب، وذكرى من زمن كانت فيه الثقافة جزءًا من هوية الأسرة لا ترفًا استهلاكيًا.

مكان المكتبة في البيت.. حضور يفرض الاحترام
غالبًا ما كانت مكتبة البيت تحتل ركنًا واضحًا، بخزانة خشبية زجاجية، أو أرففٍ مفتوحة تصطف عليها الكتب، وكانت كتب التاريخ إلى اليمين، وكتب الأدب في الوسط، والمجلات المرصوصة كأنها جنود حنين، وكان للكتاب حضور.. لا أحد يجرؤ على تهميشه.

وراثة الكتاب.. امتداد الأجيال بالفكر
كثيرًا ما كانت مكتبة الجدّ تنتقل إلى الابن، ثم إلى الحفيد، وكل جيل يُضيف إليها شيئًا من روحه، وكنت تقرأ على الهامش تعليقات بخط يد قديم، تشعر أنك لا تقرأ وحدك، بل برفقة أسلاف يهمسون لك من بين الصفحات.

محتوى المكتبة.. من كل بحر قطرة
كانت مكتبة البيت موسوعية الطابع، فيها كتب الدراسة القديمة، وأعمال الأدباء الكلاسيكيين، وكتب الطبخ، والفنون، والتراث، وأحيانًا كتيبات متهالكة من معارض سابقة، لكن كل عنوان فيها كان يحمل ذاكرة وسببًا للبقاء.

القارئ في البيت.. من الطفل إلى الجد
البيت كله يمرّ من أمام المكتبة، وقد يقف طفلٌ صغيرٌ ليقلب مجلة، أو مراهق يبحث عن رواية فيها ما يوقظ خياله، أو أب يقرأ بعد العشاء، لأن الكتاب لم يكن مخصّصًا لفئة.. بل كان جزءًا من العائلة نفسها.

زيارات الأصدقاء.. تبادل الكتب لا المجاملات
كان الأصدقاء حين يزورون البيت، يسألون: ماذا قرأتم مؤخرًا؟
وقد يتبادلون الكتب كما يتبادلون الهدايا، وكانت إعارة كتاب أشبه بإعارة قلب، لا تتم إلا بين أناس يثق بعضهم ببعض ثقافةً وأمانة.

المقارنة مع اليوم
اليوم، تغيب مكتبة البيت لتحل محلها الشاشات، ويُستبدل حضور الورق برفوف الجوائز واللوحات، وباتت القراءة فعلًا فرديًا لا عائليًا، وغالبًا ما يكون الطفل أقرب إلى الهاتف منه إلى كتاب ثمين، لكن من بقي يحتفظ بمكتبة.. فقد احتفظ بروحه القديمة في عصر السرعة.

خاتمة
في الزمن الجميل، كانت مكتبة البيت تختصر المدينة كلها، مكتبة الحي، والنادي، والمعرض، والجامعة، وكان الجلوس أمامها كأنك تجلس أمام جدّ حكيم، فهل ما زالت مكتبة البيت تُقرأ.. أم أصبحت ليُمسح عنها الغبار فقط كل أسبوع؟

أترك تعليقاً

التعليقات