«الزمن الجميل».. هل كان جميلاً حقاً؟! الحلقة 18
- مروان ناصح الأثنين , 15 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 1:06:32 AM
- 0 تعليقات
مروان ناصح / لا ميديا -
أزياء الشاشة.. حين كانت الشخصية تُفصَّل مثل الثوب
في الزمن الجميل، لم تكن أزياء السينما والتلفزيون مجرد ملابس، بل كانت "لغة صامتة"، تكشف عن الطبقة، المزاج، الزمن، والمكان.
كان الثوب جزءاً من الدور، لا زينة تُستعرَض. وكانت الشخصية تُفصَّل كما يُفصَّل القماش: بحساسية ودقّة.
خياطة الشخصية قبل خياطة القماش
في تلك الأعمال، التي لا تُنسى، كانت الشخصية تُبنى من الداخل إلى الخارج؛ من سيكولوجيتها، بيئتها، لهجتها... ثم زيّها.
الفقير يلبس كأنه فقير، والغني بلا مبالغة فاقعة، والمُحبّ يبدو عاشقاً حتى في ياقة قميصه.
وكانت الممثلة تُناقش الطرحة أو الزرّ أو الحذاء، لا لأنها مغرورة، بل لأنها تبحث عن الصدق البصري.
السينما.. ذاكرة القماش والزمن
في الأفلام العربية القديمة -المصرية والسورية واللبنانية- كانت الأزياء جزءاً من المَشهد العام، تشير إلى العصر السياسي، والتغير الاجتماعي، وترسم بصمتٍ ملامح التحديث أو النكوص.
رأينا في الستينيات ملامح الطبقة الوسطى في فساتين البنات، في أفلام فاتن حمامة، ورأينا الثورة الزراعية في ثياب الريفيين في أفلام يوسف شاهين، ورأينا أزمة الهوية في أزياء الهجين المديني في أفلام بيروت...
كان كل قميص يحمل رأياً غير مكتوب.
الدراما الشامية..
وهم الأناقة الفلكلورية
حين نصل إلى مسلسلات البيئة الشامية، نجد انزلاقاً من التاريخ إلى الاستعراض.
في أعمال مثل "باب الحارة"، أصبحت الأزياء نُسخاً مُنمّطة، مستنسخة، لا تعكس الحقيقة، بل تبني أسطورة (زائفة) عن الماضي.
النساء كلهن يلبسن الطراز نفسه، من الثوب الدمشقي المطرز. والرجال كلهم نظيفون أكثر مما تحتمله الأزقة، وكأننا في إعلان عطور، لا في حي شعبيّ مكتظّ.
هكذا تحوّلت الأزياء من وظيفة درامية إلى فانتازيا ساذجة.
حين يخون الزيُّ الشخصية
في كثير من المسلسلات الحديثة، نرى الطبيب يلبس كما لو كان في إعلان أزياء، والفتاة الريفية تُقدَّم بتسريحة مدنية "راقية"، والجندي يخرج للمعركة ببدلة مكوية، فتُصاب الشخصية بانفصام بصريّ لا يصدقه المشاهد.
كأنّ الزيّ لم يُختر بناءً على الواقع، بل بناءً على صورة ذهنية مشوَّشة، أو مزاج مخرج أراد أن يبدو العمل جميلاً، أكثر من أن يكون صادقاً.
الزيّ كوثيقة
في بعض الأعمال الخالدة، كانت الأزياء تُوثّق اللحظة، لا تزيّنها.
مثل ما نراه في دراما مثل "التغريبة الفلسطينية"، أو "خان الحرير"، أو في السينما المصرية الواقعية... الزيّ فيها يخبرك أن البطل مرّ بفقر، أو بفقد، أو بشوق، من دون أن يُقال ذلك في الحوار.
كأنّ القميص وحده يقول: هذا رجل قادم من الشتات، أو هذه امرأة تخبئ موتها في خزانة ملونة...!
خاتمة:
في "الزمن الجميل"، لم يكن "اللباس" مجرّد قماش يُلبس، بل كان جزءاً من بناء الشخصية، البيئة، والرسالة.
كانت الأزياء على الشاشة تُفصّل على قياس الحقيقة، لا على مقاس جمالية مفترضة.
ولذلك بقيت تلك الشخصيات في الذاكرة، لأنها صادقة حتى في خيطانها.
المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح