مروان ناصح

مروان نــاصح / لا ميديا -
المسرح.. حين كانت الخشبة ترتجُّ بالأسئلة والدهشة
في "الزمن الجميل"، لم تكن خشبة المسرح مجرد منصة، بل كانت حلبةً رمزية للوجود، مكاناً يواجه فيه الإنسان ذاته، تاريخه، سلطته، ومخاوفه.
لم يكن الجمهور يذهب إلى المسرح للتسلية فحسب، بل ليخرج مختلفاً عمّا دخل، أو -على الأقل- أكثر ارتباكاً ووعياً مما كان.

المسرح كحدث استثنائي
في زمن لم تكن فيه المنصات متاحة، كان عرض مسرحي يُعلن عنه بأسابيع، وتُحجز التذاكر، وتتهيّأ القلوب للدهشة. كان المسرح يمنحك شيئاً لا تقدمه السينما ولا التلفزيون: صوتاً حيّاً، عرقاً بشرياً، صمتاً ثقيلاً، لحظة لا تتكرر... كل شيء يحدث الآن، أمامك، لك وحدك.
كان الجمهور يصمت لا لأن القانون يفرض، بل لأن النص أقوى من الضجيج، والممثل أصدق من الشارع.

المسرح السياسي.. صرخة من تحت الرقابة
في بلدانٍ كثيرة، تحوّل المسرح إلى مساحة للمناورة والتمرير: نقد السلطة عبر الرموز، التساؤل عن الحرية عبر الحكاية، وتمرير القضايا الكبرى عبر قناع المهرّج.
نصوص سعد الله ونوس، مثلاً، كانت تحمل همّاً فلسفياً وسياسياً دفيناً، لكن بلغة شعرية، وشخصيات كأنها تنتمي لأسطورةٍ قريبة منا.
كان الجمهور يفهم، يبتسم بمرارة، ويخرج وقد تلقّى "صفعةً مؤدبة"، كما سماها أحد النقّاد.

الممثل.. عاشقٌ للخشبة
الممثل المسرحي لم يكن مجرد فنان، بل كائناً نذر جسده وصوته ودمه للمهنة. لا يعرف الثراء، لكنه يعرف المجد الآنيّ الذي لا يُقاس بالأرقام. كان يقف على الخشبة كمن يتلو اعترافاً، ويجتهد في كل مساء، كأن الجمهور جديد، وكأن النص يُكتب الآن. وكان البعض يقول:
"المسرح لا يعطيك المال؛ لكنه يعطيك سبباً للبقاء".

الجمهور.. جمهور حقيقي
في الزمن الجميل، لم يكن الحضور إلى المسرح ترفاً، بل كان البعض يرتدي أجمل ما لديه، ويأتي باكراً، ويجلس بانتباه، ويصفق بصدق، أو يصمت عن خيبة العرض احتراماً لتعب الممثلين.
كان من الشائع أن تجد في الجمهور: طلبة، كُتّاباً، عمّالاً، موظفين... كلهم يتساوون في تلقي الدهشة.

المسرح اليوم.. شبح الخشبة
اليوم، انحسر المسرح. الخشبات خلت، والعروض تضاءلت، والممثل المسرحي أصبح يتسوّل جمهوراً، أو يبحث عن دعم لا يأتي. صار المسرح هامشاً في مدينة تطحن الوقت، في حين كان يوماً ما مركزاً للثقافة، ومختبراً للوعي.
ورغم محاولات الشباب لإحيائه، يبقى المسرح أسيراً للبيروقراطية، أو محكوماً بإنتاج تلفزيوني سطحيّ يسلبه جوهره.

خاتمة:
في "الزمن الجميل"، كان المسرح يعيد صياغة الأسئلة لا الأجوبة، ويقدّم الحقيقة مشفوعة بالخيال، ويسمح للناس بأن يروا أنفسهم في الآخرين، ويشاهدوا أحلامهم وهي تتكسّر أو تتحقق على الخشبة.
كان المسرح فنّاً حيّاً، لا يُؤرشف، ولا يُعاد، بل يُعاش، ثم يُروى كذكرى نبيلة.

أترك تعليقاً

التعليقات