مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
الهوايات الفنية واليدوية.. حين كانت اليد تتحدث والخيال يرسم
في زمنٍ لم تكن فيه الشاشات تملأ العيون، ولا الهواتف تسرق الأحلام، كانت الهواية مساحة خضراء يركض فيها الخيال بلا سياج.
الهوايات الصغيرة لم تكن لهواً عابراً، بل كانت أشبه بتمارين صامتة على الإبداع، وعلى النجاة.

لغة اليد والروح
في دفاتر المدرسة، وعلى أطراف كتب الرياضيات، وُلد أول خطٍّ مائل من قلم رصاص خجول، يرسم طائراً أو وجهاً أو زهرةً تفتحت على حين دهشة.
كان الرسم، رغم بساطته، بوابة إلى عالم موازٍ: عالم الألوان، والتفاصيل، والتأمل.
معلّم الفنون لم يكن ناقداً، بل كان يزرع الثقة في اليد المرتجفة، ويهمس: "ارسم ما في قلبك، لا تقلّد أحداً".

المجسمات.. حين تبني
حلماً بيدك
من أعواد الكبريت، من "كرتون" علب الأحذية، ومن أسلاكٍ ملتقطة من جهاز قديم، كنا نصنع أشياء: سيارة لا تمشي لكنها تشبه الحلم، وطائرة لا تطير لكنها تلامس الغيم...
كنا نحاكي العالم الذي لا نملكه، ونبنيه من بقايا بيتنا... وكأننا نصنع لأنفسنا وطناً بحجم قبضة يد.

ألعاب الخيال الصغير
قصاصات الورق الملوّن، والمقص الصغير، وعلبة الغراء، كانت أدوات سحرية بيد المراهقين.
لوحات من ورود ونجوم، حظائر صغيرة للحيوانات، بيوت من الورق المقوّى... كلها وُلدت فوق المقاعد المدرسية أو في غرف المعيشة البسيطة إلى جانب مدفأة حطب...
كل قطعة، مهما بدت متواضعة، كانت إعلاناً عن فرح الاكتشاف، ودليلاً على أن الخيال لا يحتاج أكثر من ورقة ومقص كي يفتح أبواب الدنيا.

كتابات بأحبار القلب
كان بعضنا يصنع مجلة منزلية: يكتب قصة قصيرة، يرسم شريطاً كرتونياً، يضيف حزّورة أو تهنئة، ثم يجلّدها بشريط لاصق.
كانت المجلة تُعرض على الأسرة كأنها كتاب من دار نشر كبرى.
الحرف كان يُكتب بشغف، والرسوم تزيّنه، والخيال يمنحه الحياة.

ذاكرة من الطبيعة
من النزهات والرحلات، كنا نعود بجيوب مثقلة بحصوة غريبة الشكل، أو حجرة صوان، أو صدفة بنفسجية الجوف تؤوي صدى البحر...
كانت تلك الكنوز الصغيرة تُرتّب على الرفوف بعناية، وننظر إليها كما ينظر طفل إلى خريطة كنز.
كل حصوة أو صدفة كانت تحمل ذكرى مكانٍ ولحظةٍ وضحكة، وكأن الطبيعة نفسها قررت أن تهدينا سلّة من عجائبها النادرة.


اليد التي كانت تفكر
الهوايات لم تكن محض تسلية، بل نافذة على الذات.
في الرسم اكتشفنا الصبر، وفي المجسمات تعلمنا الحيلة، وبالورق والزجاج عشنا لذّة الخلق، ومن الحصى والأصداف والصّوّان تعلّمنا كيف نقدح الذاكرة.
كانت اليد تفكر، والعين تتأمل، والروح تنمو بصمت... بعيداً عن صخب العالم، قبل أن يُختطف الحلم إلى شاشة مضيئة.

خاتمة:
في "الزمن الجميل"، كانت الهوايات اليدوية والفنية فعل حب، وبحثاً في الذات وعنها.
كنا نكتب ونرسم ونقصّ ونلصق ونشكّل، لا لنعرض على جمهور، بل لنحيا لحظة الاكتشاف.
وكانت اليد حينها لا تكتفي بالعمل، بل كانت تتكلم...!

أترك تعليقاً

التعليقات