قراءةٌ في معركة فلسطين ومفاجآتها وآثارها.. على الخوف أن يُغيِّر معسكره
- علي كوثراني الأثنين , 24 مـايـو , 2021 الساعة 8:01:27 PM
- 0 تعليقات
علي كوثراني / لا ميديا -
صعَّد المخفر الإمبريالي العدو "الإسرائيلي" عدوانه وهو يتوقع مواجهة المقاومة له على مستويين رئيسيين:
المستوى الأول: صاروخي، يتمثل بالصواريخ والمقذوفات التي تدك المغتصبات من قرى ومدن.
المستوى الثاني: بري، يتمثل بإعاقة أي محاولة اجتياح بريّ لغزة عبر الكمائن ومضادات الدروع والقتال المستميت.
ذلك طبعاً، بالإضافة إلى مستويات أخرى أمنية وسيبرانية وإلى ما هنالك من مستويات المواجهة الثانوية التي نجحت المقاومة في تحقيق إنجازات فيها. ولكن من الضروري هنا التطرق إلى فشل العدو بمواجهة المستويين الرئيسيين.
فقد فشل العدو في المستوى الأول، الصاروخي، وكان فشله واضحاً أمام أعين الجميع، إذ تمكُّنت المقاومة من إطلاق ما يزيد عن 1500 صاروخ في ليلة واحدة، ودكت عاصمة ومدن وقرى ومنشآت وقواعد المحتلين، وهذا بحد ذاته تركيبةٌ من الفشل بأوجه كثيرة، منها:
1 ـ الاستخباري، بحيث لم يتوقع العدو حدوث هذا الأمر وبهذا الشكل.
2 ـ الأمني، بحيث لم يتمكن من منع المقاومة من جمع كل هذه القوة أساساً.
3 ـ العسكري، بحيث لم يتمكن سلاح جو العدو من إجهاض عمليات الإطلاق، ولم يتمكن سلاح الدفاع الجوي أيضاً من رد كل هذه الصواريخ عن أهدافها.
4 ـ الدعائي، لأن ما حدث قد أسقط العدو في معركة الحرب النفسية وكشفه أمام "شعبه" والعالم، أمام الداعم له والمراهن عليه قبل المعادي له والساعي لإسقاطه. كشفه على أنه عاجزٌ، وأوضح أن كلمة المقاومة أصبحت هي العليا بالرغم من قبته الكرتونية (القبة الحديدية) وسلاح جوه الفتاك بغير المحاربين.
أما الفَشَل في المستوى الثاني، البري، فقد كان أوضح من أن يُثبَت خلال المعركة، لأن العدو لم يتجرأ أصلاً على اجتياح غزة ولا على التوغل ولو قليلاً فيها، الأمر الذي يطرح أسئلةً عن علة وجود سلاحي المشاة والمدرعات في جيش العدو أصلاً، فلما كان هذا حالهما مع غزة المكشوفة جغرافيّاً والصغيرة والمحاصرة، فماذا سيكون مع جنوب لبنان وجنوب سورية؟!
ولكن الصاعقة الكبرى كانت في مستوى ثالث لم يتوقعه أحد ولم يكن في حسبان العدو، وهو ما حصل في مدينة اللد التي احتُلت بعملية عسكرية شُنت عليها في منتصف عام 1948. أخص اللد هنا لأنها شكَّلت نموذجاً مدرسيّاً عن عملية إخراج مدينة محتلة وخاضعة منذ 70 سنة عن سيطرة العدو بالكامل، لا لتبقى أسيرة الفوضى، بل لتدخل تحت سيطرة خلايا مقاوِمة محلية، وكل ذلك في مدة زمنية قياسية.
حداثة هذه التجربة تمنعنا الآن من الخوض فيها بشكل واف ومن كل جوانبها، ذلك أنها بحاجة لأن تُدرس بعناية قبل تقييمها بشكل لائق واستخلاص العبر منها، من العدو ومن الصديق على حدّ سواء، إن لفهمها ومحاولة صد مثيلاتها في المستقبل، أو لتطويرها وزيادة فاعليتها ووضعها في خطة متكاملة للتحرير.
أما ما يمكن تأكيده الآن فهو أن شبح الحدث العظيم في اللد باق ليؤرق الوعي الجمعي للعدو قيادة ومستوطنين لفترة من الزمن، فترة لن تكون طويلة برأيي، لأن من ذاق طعم نجاح هذه التجربة لن يقف قبل تعميمها على الكثير من مدن وقرى فلسطين المحتلة، خصوصاً وأنها فعالة، وقليلة الكلفة بشريّاً وماديّاً أيضاً، وهائلة الأثر على المستوى النفسي.
ومن الواجب أيضاً الإشارة إلى مستويات أخرى من المواجهة لم تكن أبداً بعيدة عن التحقق، كفتح جبهات أخرى خلال المعركة، الأمر الذي يضع المناورة الأخيرة (التي كانت تحاكي المواجهة مع عدة جبهات في آن معاً) في خانة الهزل، فإذا كان هذا هو حال العدو بقيادته وجيشه ومستوطنيه على إثر مواجهة مع غزة وحدها، فلماذا هذه "البهورة" حول مواجهة عدة جبهات معاً؟!
الحقيقة أن أدوار المخفر الإمبريالي في بلادنا تتلاشى شيئاً فشيئاً بفعل صعود القوى المعادية للهيمنة في العالم كله، ولاسيما التحررية والمُقاوِمة منها في منطقتنا. فبعد أن سقط دوره الردعي المانع لشعوب المنطقة من الصعود والتحرر وبات هو نفسه مردوعاً، ها هو دوره كفاصل جغرافيّ بين مغرب العرب وجزيرتهم ومشرقهم وكمانع لتوحُّدهم أيضاً يترنَّح، ذلك أن وجوده المتمثل بسيطرته على هذه البقعة الجغرافية الفاصلة بات نفسه مهدداً.
صروح كثيرة من خيال هوت في هذه المعركة الأخيرة، كرهان البعض على استدامة الهيمنة الغربية التي ضُربت في الصميم بضرب مخفرها، ورهان البعض على الاستقواء على قوى التحرر والمقاومة بمخفر خرج من هذه المعركة مُهشَّم الرأس ومُكسَّر الأضلاع، ورهان البعض على خنق قوى التحرر والمقاومة بحلف اقتصاديّ برئاسة مخفر فاقد لأمنه، وباتت "مدنه" تخرج عن سيطرته، ورهان البعض على احتكار تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا بواسطة مخفر تتربص به وبمنشآته الغازية وغير الغازية مئات آلاف من الصواريخ!
ختاماً: من المفيد القول بأن هذه الرهانات التي هوت لم تكن في يوم غير صروح من خيال، وأنها وإن سقطت اليوم ظاهريّاً، فهي في الواقع كانت تسقط شيئاً فشيئاً مع كل جمع لأسباب القوة بغية تعديل موازين القوى مع الغرب لصالحنا. ومن هنا فإن هذه المعركة لم تكن إلا إعلاناً عن بعض التبدلات في الموازين، وما لم يعلن عنه بعد هو أعظم.
كاتب لبناني.
المصدر علي كوثراني
زيارة جميع مقالات: علي كوثراني