لِمَ يفشل الباتريوت ومستخدِموه؟ 1-2
 

علي كوثراني

علي كوثراني -

لم تَبتُر الغارةُ اليمنية نصف إنتاج السعودية للنفط فحسب، بل عرَّتْ حدودَ قدرة دفاعها الجوي بالكامل، ودقَّت مسمارا في نعش هيبة الإمبراطورية التي تقف عاجزة، متفرِّجة على شرايينها المقطوعة.
في بداية عدوانها على اليمن عام 2015، اشترت السعودية، صاحبة ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم (82.9 مليار دولار، 2019)، 600 صاروخ أرض ـ جو للنسخة الأحدث من منظومة الـ Patriot الأمريكية للدفاع الجوِّي، بـ 5.4 مليار، فلكم أن تتخيَّلوا حجم المبالغ التي أنفقتها في الأعوام الماضية على إنشاء وتدريب وصيانة وتحديث وتذخير 6 كتائبَ منها والرادارات المرتبطة بها.
عام 2017، وأثناء فعاليات قمَّة الرياض، أدَّى بنو سعود ما يقارب نصف تريليون من ثروات جزيرة العرب لترامب، تضمَّنت أكبر صفقة أسلحة في التاريخ بقيمة 350 ملياراً، 110 مليارات منها للتنفيذ الفوري شملت 15 مليار لشراء منظومة THAAD الحديثة قصيرة إلى متوسطة المدى للدفاع الجوِّي ضد الصواريخ الباليستية، فَتَلا ذلك «مِحنةُ الريتز» الشهيرة واستفراد محمد بن سلمان بالسلطة.
بالعودة إلى الباتريوت، ولِنَعيَ حجم الكتائب الست، يكفي أن نعرف أن كلَّ كتيبة تتكوَّن من بطَّارية المقر، التي تشمل مركز تنسيقِ معلومات، ومشغِّليه، وسَريَّة صيانة؛ وتشمل 4 إلى 6 بطَّاريات خطّ، تضمُّ الواحدة منها 6 قاذفات، و3 إلى 4 فصائل: فصيلة مكافحة الحرائق، وفصيلة قاذفة، وفصيلة المقر/ الصيانة؛ أما القاذفة الواحدة، فتحمل 16 صاروخا لنسخة PAC-3 الأحدث أو 8 صواريخَ لما دونها.
بعملية حسابية بسيطة، تملك السعودية الآن ما يتراوح بين 144 و216 قاذفة باتريوت، أي حوالي ربع ما امتلكته أميركا عام 2010، ونصف ما كان داخلا في الخدمة الفعلية عندها في العام ذاته، وأميركا دولة المنشأ لهذه المنظومة، والأولى في العالم من حيث الميزانية العسكرية، والوحيدة التي تنتشر قواعدها العسكرية في كل قارَّات ومحيطات الكوكب!
مع ذلك، يبدو أن ما يقارب عدده نصف ما تشغِّله أمريكا (الأرقام لم تتغيّر كثيرا عن عام 2010، إذ إن النُّسخ الأحدث تستبدل النُّسخ الأقدم التي تخرج عن الخدمة أو تُباع) في العالم كلِّه من نظام الباتريوت هذا، المعقَّد والمتطوِّر بحسب ما يُشاع، وما يمثاله من حيث اقتصاره على النسخ الحديثة، ليس كافيا لحماية أهمِّ ما في البنية التحتية السعودية، لا السعودية كلِّها!

ضربة.. فتَخَبُّط.. فروايات
أعلنت حركة أنصار الله اليمنية مسؤوليَّتها عن هجوم 14 سبتمبر. بحسب الحركة، فقد أطلقت قوَّاتها، من 3 مواقعَ مختلفة، طائرات مسيَّرة من طرازَي قاصف3 وصمّاد3، فضلا عن طائرات مسيَّرة أخرى، غامضة، تعمل بالمحرِّكات النفَّاثة. وأضافت الحركة أن الغارة جاءت ردّا على العدوان السعودي على اليمن، وحذَّرت من مزيد من الضربات القادمة.
ردَّت السعودية بقصف عنيف طال مدن اليمن وقراه وأودى بحياة عشرات المدنيين، ثم روَّجت مع أميركا لرواية مختلفة، مفادها أن الغارة نُفِّذَت بطائرات مُسيَّرة إيرانية الصنع وصواريخَ كروز لم تأتِ من اليمن، فأكملت وسائل الإعلام السائدة الجملة، وأشارت إلى إيران مستعينة بمصادرها المعهودة، المجهولة.
بعدها، أطلَّ متحدّث باسم الجيش السعودي ليشرح لنا كيف جاءت الطائرات المُسيَّرة والصواريخ من الشمال، بينما كانت رادارات الدفاع الجوي موجّهة جنوبا نحو اليمن! ثم طار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى السعودية، وقال حرفيّا: «انظروا؛ رأينا في جميع الأوقات أنظمة الدفاع الجوي في جميع أنحاء العالم تُحقِّق نجاحا مُختلطا، وبعض من أفضلها في العالم لا تلتقط أهدافها دائما. نريد أن نعمل للتأكُّد من أن البنية التحتية والموارد قد وُضعت في مكان تكون فيه هجمات من هذا القبيل أقلَّ نجاحا مما تبدو عليه هذه الهجمة. هذه هي، بالتأكيد، المسألة».
بينما يُستَشفُّ من كلام الأوَّل أن الدفاع الجوِّي كان «زين»، ولكن الغارة هي التي انطلقت من «الجهة الخطأ»، والتعبير الأخير يُسجّل لموقع SouthFront؛ فقد يُفهم من تصريح الثاني أن الباتريوت كان «زين»، ولكن آبار النفط وملحقاتها هي التي تواجدت في المكان الخطأ!
على أيِّ حال، وبحسب الموقع نفسه، فليست هذه المرَّة الأولى التي يفشل فيها الباتريوت في السعودية، وقد نفَّذت الحركة في الماضي القريب عشرات الضربات الناجحة بالطائرات المُسيَّرة والصواريخَ في الداخل السعودي، مستهدفة المطارات، والقواعد العسكرية، والبنية التحتية النفطية، وحتى الرياض، العاصمة؛ وقد أتت جميعها من «الجهة الصحيحة»، ولم يساعد ذلك السعوديةَ على صدِّها بأيِّ شكل يمكن وصفه بأنه درجة عالية من النجاح!
ويتابع الموقع أن الحوادث المتعدِّدة التي تنطوي على فشل صواريخ الباتريوت لا تُعزِّز مصداقية قوَّات الدفاع الجوِّي السعودية ومنظومات الباتريوت التي تُشغِّلها، مشيرا إلى أشهرها في 25 مارس 2018، عندما أخطأت خمسة صواريخ باتريوت الهدف أو تعطَّلت أو انفجرت في الجو أو عادت لتنفجر قرب مكان إطلاقها أثناء محاولة سعودية لصدِّ هجوم صاروخيّ من الحركة؛ علما أن الفشل المتكرِّر للباتريوت في الدفاع عن الأهداف في داخلها، قد حوّلها والمنظومة التي تستخدمها إلى نكتة على المستوى الدولي.

لماذا صُمم الباتريوت وكيف عُدِّل؟
لم يُصمَّم الباتريوت لإسقاط الصواريخ أو الطائرات المُسيَّرة، بل لإسقاط الطائرات، وقد حصل على قدرة التصدِّي للصواريخ الباليستية بعد التطوير في الصاروخ والنظام، الذي سُمِّي نسخة PAC-2، التي شملت الاستفادة المُثلى من خوارزميات البحث الراداري، وبروتوكول الشعاع للبحث عن الصواريخ الباليستية، وإدخال صاروخ مُحسَّن لغرض الاشتباك معها والاشتباكات عالية السرعة حَمل رأسه الحربي الانشطاري مقذوفات أكبر، وتغيير طريقة الإطلاق عندما يكون الهدف صاروخا باليستيّا، وإضافة تأخير قصير بين صاروخ وآخر ليُتاح للآخر تمييز الرأس الحربي للصاروخ الباليستي في أعقاب انفجار الصاروخ الأوَّل.
خلال حرب الخليج الثانية عام 1991، حاولت صواريخ الباتريوت اعتراض الصواريخ الباليستية المُعادية أكثر من أربعين مرَّة، وبدت النتائج مثيرة للجدل. في حينها، أعلن الرئيس جورج بوش الأب أنها اعترضت 41 صاروخ سكود من أصل 42، مما عكس معدَّل نجاح نسبته 98 ٪. ومع ذلك، فقد قدَّر تحليل، صدر بعد الحرب، أن المعدَّل الحقيقي لم يتجاوزْ 10٪، فتلقَّى الباتريوت تحسينات متعدَّدة على إثر ذلك.
في الأعوام 1995 و1996 و2000، خضع الباتريوت لثلاث مراحلَ من التحسينات الرئيسية، المعروفة باسم نُسخة PAC-3، بهدف زيادة قدرته المضادَّة للصواريخ الباليستية، فأُجرِيَت له تحسينات كثيرة في النظام والبرمجيَّات، وحصل على رادار جديد، وصاروخ جديد مصمَّم بالكامل تقريبا للاشتباك مع الأهداف الباليستية.
في عام 2005، وبحسب تقرير صدر عن مكتب وكيل وزارة الدفاع الأمريكية، أظهرت النُّسخ المطوَّرة من منظومة الباتريوت، PAC-2 GEM وPAC-2 GEM+ وPAC-3، نسبة نجاح عالية خلال اشتباكها مع 9 صواريخ باليستية مُعادية، وقد وصف التقرير اشتباكها مع 8 منها بالناجح، والاشتباك مع التاسع بأنه «نجاح مُحتمل».

الضربة والرواية تحت المِجهَر
بحسب مصادرَ عسكرية روسية للموقع السابق، فإن حدود السعودية الشمالية (الحدود المقابلة لإيران بوصف أدقَّ) محميَّة بـ 88 قاذفة باتريوت: 52 منها من نسخة PAC-3، و36 من نُسخة PAC-2. يعادل ذلك 3 كتائب بحسب التعريف بالكتيبة الذي ورد في بداية المقالة: 2 من نسخة PAC-3، 1 من نسخة PAC-2. ويُستقرَأ من الخرائط التي ينشرها الموقع، أن هذه الكتائب الثلاث تنتشر قرب الكويت، وقطر، والعاصمة الرياض، بينما تنتشر الثلاث الأخرى بمحاذاة البحر الأحمر، قرب الأردن، ومدينة مكّة، واليمن.

(*) كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات