عن كيسينجر وهالة عرب الهزيمة
 

علي كوثراني

علي كوثراني / لا ميديا -
كان هنري كيسينجر شخصاً استثنائياً، ولا شك أن في تجربته وإرثه الكثير مما يمكننا تعلمه عن الإمبراطورية وعن أنفسن؛ ولكن رحيله الآن مناسبةٌ لوضع الأمور في نصابها الصحيح، فهو في حقيقة الأمر خادمٌ للإمبراطورية، خادمٌ فذٌ ونشيطٌ طبعاً، ولكن هالة العظمة والقوة الخارقة التي أحاطت باسمه وشخصه في المخيال العربي تحديداً ليست إلا من صنع اليائسين والعملاء الذين تألفت منهم نخب الهزيمة العربية بعد إسقاط التجربة الناصرية.
أثبتت التجربة أن من يعي جوهر الصراع وطبيعته يمكنه أن يلحق بخطوات الإمبراطورية بشكلٍ حثيثٍ للتصدي لها بفاعليةٍ، لا، بل ويمكنه أيضاً أن يسبقها بخطوةٍ أو أكثر في الكثير من الأحيان، برغم اختلال ميزان القوى لصالحها؛ وإن لم يكن الأمر كذلك، فكيف نفهم انتزاع الشعوب المضطهدة والدول الصاعدة المكاسب من فكي الإمبراطورية، وفي ظروفٍ كان فيها ميزان القوى أكثر اختلالاً لصالح الإمبراطورية من الظروف الراهنة؟
ومن جهةٍ أخرى، ليس من الصعب إقناع شخصٍ بأمرٍ «له ثلثي الخاطر فيه» كما نقول في العامية. وليس صعباً بالتالي إقناع شخصٍ كان وطنياً بالاستسلام طالما أجهزت الهزيمة على روحه وعزيمته، وهذا كان حال الكثير من العرب. أما الإمعة الوصولي فليس بحاجةٍ لإقناعٍ أصلاً، وهذا كان حال أنور السادات، ومعه باقي مشايخ النفط ونواطير الكيانات الكسيحة من قبله، وليس في الأمر -في نظري- نجاحٌ إعجازيٌّ لكيسينجر.
ينبغي أن نعرف أنه عندما كان للإمبراطورية التي خدمها كيسينجر ندٌّ حقيقيٌّ في منطقتنا العربية، وطنيٌّ عنيدٌ يعي جوهر الصراع وطبيعته، وصاحب مشروعٍ عربيٍّ تحرريٍّ، اسمه جمال عبد الناصر، حوّل هذا الند هزيمة العدوان الثلاثي العسكري إلى نصرٍ سياسيٍ مزلزلٍ؛ وحتى هزيمة حزيران/ يونيو 1967 القاسية حوّلها إلى انطلاقةٍ جديدةٍ توّجها بحرب الاستنزاف ومهّد بها الطريق لنصر تشرين الأول/ أكتوبر 1973، الذي حوّله السادات، بعد أن تمكنت الإمبراطورية من قتل عبد الناصر وتقويض تجربته - ويا لهول المفارقة، إلى نكسةٍ كبرى!!

كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات