تجاوز العاهات!
 

طه العزعزي

طه العزعزي / لا ميديا -
أحياناً يمكن لنا تسهيل حياة صعبة جداً ومعقدة من خلال التجاوز. التجاوز هنا يعني اللامبالاة، ويعني أيضاً المشي في الأماكن المُجانبة للمزالق والحفر. فمن خلال ذلك، يمكن لنا أن نمر بلطف ورشاقةً فكريةً، وأن نمضي بإيقاعٍ فذ، وبقلب لا تخترقه المؤثرات الضاجة.
أيضاً، يمكن لنا تخطي جدار اليأس، والوصول إلى حديقة الأمل، عبر قفزةٍ واحدةٍ. ثم يمكن لنا النزول من على الحائط الضيق إلى المساحة الشاسعة. كذلك يمكن لعقولنا السير على ضوء الفجر لا الشمعة أو الفانوس. إننا حين نكون جيدين في معرفة الحقيقة بسعي مستميت، ثم نحصل عليها بسعي مستميت أيضاً، نكون قد وصلنا رغم زحمة الترويج، وكذلك نكون قد أثبتنا صحة تفكيرنا في الأشياء، ثم نكون الأكثر جِدةً في ابتكار الحرية والترفع عن العاهات، كذلك الترفع عن الثقافات الدائخة.
إن عالم اليوم هو الأكثر قذراة من أي زمن سابق، ولا سبيل لأن تتقابل فيه العيون مع بعضها البعض لتبكي نفسها. لا مجال لأن يُطعن فيه الباطل بسلاح الكلمة الحقيقية والحقة من قِبل الجميع. لا مجال فيه، أيضاً، لأن تحترم العقول المتعالية على واقع الفقر الفكري الذي يعيشه أي بلد. لقد بتنا نزعج الإزعاج أيضاً لفرط مشاكلنا الكاثرة! 
إن الانجذاب الروحي يا صديقي، بالإضافة إلى فقدان الانسجام، هو الأصعب في الحياة مع الآخرين عند تَمثُل الموقف. وعلى العكس من أني لم أعد كما كنتُ في السابق، مازلت أعيش، وهذا واقع الحال، وواقع تمطُط الكثير من حولنا، بل وتجاهنا، الكثير الذين هم منا وفينا. أبدو اليوم أشبه بمن تركتهُ الحافلة على الطريق وسافرت لوحدها، أشبه بمن يملك عشرة أصابع ولا يستخدم إلا واحد!. إنهُ الطلاء الرنجي الذي صار يزين الجدران الوقحة، يزينها بأكثر من لون طبعاً، ولا غرابة!
كنت أظن أن اليوم الذي يمر وأنا أصادف فيه مجموعة البشر الفولاذيين لن يتكرر معي في الأيام القادمة. وللأسف، الآن، وفي الغد أيضاً، صرت أتوقع زحمةً من مخاليس كُثر، مخاليس حد الأصابع والعاطفة، مخاليس عقلياً، مخاليس في الوطن وفي غير الوطن، على ظهر الأرض وفي رفوف المكتبات، بداخل الذاكرة المُتعبة وفي خارجها... هؤلاء المخاليس لا يُسلمون إلا بضوء رؤيتهم، حتى وإن كانوا ظلاميين، لا يُسلمون إلا بصحة ما تتوصل إليه قفشاتهم التنظيرية، ولا يُسلمون سوى بالخطأ لأجل مغالبة الآخرين.
طه، هذا هو اسمي. أبو كربلاء، هذهِ هي الكنية الخاصة بي. غير أني أصبحتُ صديقاً لأصدقاء لم أكن أعرفهم من قبل، صديقاً لنفسي وهذا هو الأهم، هارباً من الفرح، وطامعاً بالكلمة، إلا أنني مع التجاوز، لا ضده!

أترك تعليقاً

التعليقات