أبناء اللحظة!
 

طه العزعزي

طه العزعزي / لا ميديا -
يسعى اللاعبون الكبار حول العالم من خلال محاولات عدة إلى سلب الأمة الإسلامية هويتها الدينية والسياسية والثورية الناجحة، كما يسعون إلى تحييد الأمة الإسلامية عن معادلة التمكين في الأرض واستعادة حقها ومجدها الحضاري، ونفي اليأس والانهزامية في مرحلة البناء المستقبلي لها، كذلك بعث طاقة وروح المواكبة والتقدم إلى المستقبل وتجميع الشتات الحاصل فيها والثبات على الموقف الحق.
وقد ظهرت اليوم نغمة ملتوية الخط في الوسط العلمي، نغمة مستوردة بالطبع، ومتداخلة مع طموح وهوس تفكير العقل الاستعماري. هذه النغمة فيها من الاستثناء ما يجدول الفصل التاريخي الواحد للأمة الإسلامية ويجعله في إطار الحِدة. أصحاب هذه النغمة لا يحترمون العقل الثوري الحسيني، ولا يخضعون للمستقبل إلا الغربي منه، هم لا شأن لهم بتاريخهم العربي أبداً، ولا يعيشون إلا خارجه، ولم يحدث لهم أن أرادوا حياة ولو نصف طموحة بداخله.
حينما تمر ذكرى مناسبتي ولاية الإمام علي وعاشوراء الحسين يظهر من يقول لك: "نحن أبناء اللحظة، ولا شأن لنا بعلي ومعاوية أو بالحسن والحسين ويزيد"، هؤلاء أبناء اللحظة مشغولون جداً بالفراغ، لحظةً بلحظةً يتناسون أن واقع الأمة المبلي بكارثة التبعية والتراجع القيمي والحضاري لا سبب من ورائه سوى أننا تركنا الإمام علي (عليه السلام)، ولحظةً بلحظة لا يدركون أن "علي" ليس مجرد اسم جامد في قاموس اللغة، أو نص ديني وقوة ضاربة مرغت الباطل ونشرت كل قيم الجمال فقط، بل هو كيمياء الدم الذي لم تزل الأمة تريد صنع واقعها النووي منه، ومثله الإمام الحسين (عليه السلام)، ذلك الذي أراد بجسده وثورته الحسينية أن تنهض الأمة بدولتها الإسلامية وأن تتحرر من واقع العبودية والذل.
إن حالة الابتزاز الفكري غريبة جداً في الواقع الحالي، خصوصاً في الزمن المنقسم هذا، وإن كانت عملية تدوير الوجود البشري لا تستثني، إلا أن الأنانية الفكرية والفلسفية والتاريخية تريد الاستفراد بالتاريخ في الفصل وبالقطع، وأصحابنا لا يدركون ذلك.
فالبعض، اليوم، يظن بذلك أنه يفكر، وهو طموح لفلسفة الذرة حتى، وهو حين ينهش في لحم آدمية من ضحوا لأجله لا يفعل ذلك إلا بوسم طهارة أنه عقل والآخرين عاطفة. وأستغرب، هل يفكر مثل هؤلاء بخصاهم أم بعقولهم؟! هؤلاء مذبوحو العقل من الفكرة إلى الفكرة، ومن الخيال إلى الفانتازيا إلى الواقع، وبفضل هؤلاء كادت أن تموت ذاكرتنا التاريخية، وبفضلهم أصبحنا لا نملك وضعية ثقافية مريحة، وبفضلهم أيضاً، لم يعد يحمل المجتمع الإسلامي أي شعور ديني وثوري وفكري وإنساني تجاه أهم القضايا المتعلقة بمصير بناء مستقبله.
نعم، أعرف، لقد تغير العالم، وصار كل شيء حديثاً، عالم رقمي، وأكل بالملعقة والشوكة، واختراعات، وأضواء متلونة، وتكنولوجيا مذهلة، وبنايات هندسية فريدة، ووسائل راحة متنوعة، وقلم، وبندقية، وكل الأشياء الحديثة، ومع ذلك، تبقى الشمس هي الشمس نفسها، والقمر هو ذاته، والله، والقرآن، والنبي محمد، والإمامان علي والحسين، كل هؤلاء نصاً ثابتاً ومقدساً في حياتنا العلمية والطبيعية، واللحظة الراهنة لن تستطيع محو هذا المستقبل القديم المُتجدد.

أترك تعليقاً

التعليقات