لحى الخونج تحترق بولاعة ثورية
 

طه العزعزي

طه العزعزي / لا ميديا -

لا، ليس الماضي ومجايلوه وحدهم من يمكنهم الإدلاء بشهادة نجاح الثورة، أي ثورة، وأقصد بذلك لحظة من شهدوا واقع الثورة والتحموا بخطها الحدثي، فبالفعل لا يمكن لهؤلاء كتابة التعريفة الناجزة (علينا التدقيق بكلمة ناجزة) للثورة بموضوعية وبختم تاريخي لا لبس فيه، ربما يمكن لهم كتابة جزء من تاريخهم بطريقة توثيقية تحاكي يوميات الثورة وإبراز نضالات رجالاتها في مؤلف وفق نظريات وسطور كتابية فقط، ولكنهم لن يستطيعوا الحكم على نجازة الفعل الثوري الخَلاصي القائم على التغيير. إن المستقبل بمجايليه من حراس الذاكرة التاريخية هم من يقع عليهم فعل تعريف الثورة والنظر إليها من منظور واقعي وإنجازي بعيدا عن النظريات الجاهزة وعن الحدث ولهيب الحماسة والشعارات البراقة التي كان يرفع لافتاتها ويتلفظ بها ثوار ذلك اليوم.
ثورة 11 فبراير مثال بسيط لذلك، كذلك ثورة 26 سبتمبر، كِلا الثورتين، كَتبَ الجزء الأكبر من تاريخهما جيل الثورة من المُنظرين والكتاب الذين عاشوا تلك الإرهاصات والأحداث، لكن الأمر يبدو مرتبطا بأبعاد مستقبلية أيضا، وهو معيار الحكم لنجازة فعل الثورة، أتت الأجيال اللاحقة، واستطاعت دحض هذا التاريخ من نصيته رغم استقبالها له، ونظرتْ إليه بمستوى ما أحدثته من واقع تغيير ملموس، وفي هذه الثورة بالذات، راح جيل المستقبل الجديد يطرحون أسئلة عديدة من بينها: ما الذي حققته الثورة من تغيير ملموس على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، بينما مازالت اليمن تصنف كونها من أسوأ الدول الفقيرة عالميا وسياسيا، وماتزال في قبضة الهيمنة الأمريكية وفي ظل الوصاية السعودية؟
أسئلة واقعية يطرحها جيل جاء من خارج الثورتين حتى، ولا يزايد بها سياسيا على الثورة والثوار في شيء، هذا هو الحارس المستقبلي، الذي يمكن له حراسة ذاكرة الثورة التي رغم أنه لم يشارك فيها فإنه يعتبر نفسه أحد نتاجاتها بشرط وحيد هو أنّ الثورة مثلته وبنت له المستقبل الحقيقي وساعدته في أن يكون حرا.
ثورة فبراير التي وصفت بالثورة الشبابية، غاب عنها فعلها الحيوي، وصارت أشبه ببكائية تنعى يوميات حدوثها، لقد كانت في أرقى اندفاعاتها الحماسية، وهي تحاول كسر تابوت النظام السابق، وهي أيضا تحاول ـ في نفسها الشابة ـ الإتيان بأفضل من النظام السابق، لكن ما حدث من استنساخ لقيادات عسكرية وسياسية بارزة في حزب الإخوان (الإصلاح) ودفعهم إلى واجهة الثورة لتمثيلها، أفضى إلى كبح جماح هذه الاندفاعة، ولا نتوقف عند هذا فقط، لقد حَكم كل ذلك وأكثر منه على فعلها الثوري الطامح بالتوقف، وأصبحت خارج بنيتها الشعبية حين ركب حزب الإصلاح الموجة، وحين حاولوا الالتفاف عليها.
كان مكون أنصار الله حاضرا في الساحات، يشارك المواطنين هموم التغيير، ويدفع من دمائه ثمنا لذلك، هذا المكون احترم العقول الشابة هناك، واحترم عاطفتها وعقيدتها الثورية، احترم الحيوية التي كان عليها الفعل الثوري الشبابي، ولم يحاول سحب البساط السياسي على بقية المكونات كما فعل حزب الإصلاح، بالقطع، كان يحترم جميع القوى الوطنية المشاركة، وحين استفاق لخطر الإقصاء المتعمد له ولبقية المكونات، وأدرك سياسة حزب الإصلاح في امتطاء السلطة، وتعثر الثورة، بل توقفها الديناميكي، وتشبيك القوى الخارجية كأمريكا والسعودية لمصالحها والثورة اليمنية عبر ما سمي المبادرة الخليجية في خط عُد إنجازاً ثورياً، واستغلال ورقة القاعدة أيضا، والاغتيالات كذلك، عمل مكون أنصار الله على إيجاد فعل ثوري بديل يطيح بكل هؤلاء، فعل ثوري يمثل كل أحرار الشعب، ويمثل كل القوى الوطنية التي شاركت فيه، هذا الفعل الثوري هو الـ21من سبتمبر.
كان لدى مكون أنصار الله فعل تحرري واسع في ثورة 11 فبراير، على العكس من بقية التكتلات والأحزاب، هذا الفعل التحرري لم تكن الطريق إلى تحقيقه تمر من ثورة ذات أفق محلي كهذه، جميع الأحزاب المشاركة في فبراير ثارت ضد شخص الرئيس ونظامه فقط، حتى "تغيير نظامه"، وهي هنا لم تكن صادقة في التغيير والخلاص، الفعل التحرري الذي كان ينشده مكون أنصار الله الثوري كان فعلا عالميا يستهدف الخلاص من قوى الإمبريالية، ويريد الإطاحة بهيمنة أمريكا ومشروعها الاستكباري، وكذلك يستهدف الإطاحة بالوصاية السعودية التي لم تستطع أي ثورة يمنية سابقة الإطاحة بها، وبكل ما سبق، وهذا ما وجدناه متحققا في ثورة 21 أيلول/سبتمبر 2014 العظيمة.
إن بطء تحقيق الأهداف الإجرائية لثورة 11 فبراير أسهم بشكل مباشر في دفع نشاط الفعل الثوري والسياسي لمكون أنصار الله في الساحات إلى تجاوز هذا الحدث، ولكنه تجاوز ثوري مائز، أفضى إلى ثورة حقيقية هي ثورة 21 أيلول/سبتمبر، تجاوز أثار في نفسه خشية أن يتوقف الأمل الثوري عند نقطة عجز عدم التغيير والمغالبة والإتيان بنظام حكم جديد.
لا شك أن اللحية الإخوانية كانت تريد إسدال الستار عن المشهد الثوري في لحظة انتشائه، وتوقيف الثورة عند نهايات تم الإعداد لها من قبل هذا التنظيم، لكن الأنصار كشفوا هذه اللعبة، وأحرقوا اللحية الإخوانية بولاعة ثورية مجازية، وصرخوا مرارا: لا.

أترك تعليقاً

التعليقات